عادي

عذب الكلام

22:35 مساء
قراءة 3 دقائق
عذب الكلام

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

الجَمعُ مع التّقسيم: أن يجمع المتكلّم بين شيئين أو أكثر، تحت حكم واحد، ثم يُقسم ما جمع، أو يقسم أولاً، ثم يجمع، منه قولُ المتنبّي:

حَتَّى أقَامَ عَلى أَرْباضِ خَرْشَنَةٍ

تَشْقَى به الرُّومُ والصُلْبانُ والبِيَعُ

للرقِّ ما نَسلوا والقَتْلِ ما ولَدوا

والنَّهْبِ ما جَمَعُوا، والنَّارِ ما زَرَعوا

وقولُ حسّان:

قَوْمٌ إِذا حارَبوا ضَرّوا عَدُوَّهُمُ

أَو حاوَلوا النَّفْعَ في أَشياعِهِم نَفَعوا

سَجِيَّةٌ تِلْكَ مِنهُم غَيْرُ مُحدَثَةٍ

إِنَّ الخَلائِقَ حَقّاً شَرُّها البِدَعُ

وقول ابن قرقماس:

الرَّوْضُ يَجْمَعُ مَعْنىً فِي الحَبِيبِ فَقُلْ

إِنْ رُمْتَ يَوْماً بِتَقْسِيمٍ تُعَارِضُهُ

الغُصْنُ قَامَتُهُ، والوَرْدُ وَجْنَتُهُ

والطَّلْعُ مَبْسِمُهُ، والآسُ عَارِضُهُ

دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر

ترى الرّجل

العباس بن مرداس

(بحر الوافر)

تَرى الرَّجُلَ النَّحيفَ فَتَزْدَريهِ

وفي أَثْوابِهِ أَسَدٌ مُزيرُ

ويُعْجِبُكَ الطَّريرُ فَتَبْتَليهِ

فَيُخْلِفُ ظّنَّكَ الرَّجُلُ الطَّريرُ

فَما عِظَمُ الرِّجالِ لَهُمْ بِفَخْرٍ

ولَكِنْ فَخْرُهُم كَرَمٌ وخَيْرُ

بُغاثُ الطَّيْرِ أَكْثَرُها فِراخاً

واُمُّ الصَّقْرِ مِقْلاتٌ نَزورُ

ضِعافُ الطَّيْرِ أَطوَلُها جُسوماً

ولَمْ تَطُلِ البُزاةُ ولا الصُّقورُ

ضِعافُ الأُسْدِ أَكْثرُها زَئيراًوأَصْرَمُها اللَّواتي لا تَزيرُ

لَقَدْ عَظُمَ البَعيرُ بِغَيْرِ لُبٍّ

فَلَم يَستَغْنِ بِالعِظَمِ البَعيرُ

يُصَرِّفُهُ الصَبيُّ بِكُلِّ وَجْهٍ

ويَحْبِسُهُ عَلى الخَسَفِ الجَريرُ

وتَضرِبُهُ الَوليدَةُ بِالهَراوى

فَلا غِيَرٌ لَدَيْهِ ولا نَكيرُ

فَإِنْ أَكُ في شِرارِكُمُ قَليلاً

فَإِنّي في خِيارِكُمُ كَثيرُ

(مُزير: شديدُ البأس. الطّرير: صاحبُ الهيئةِ الجميلة. المِقْلاتٌ: التي لم يَبْقَ لها ولدٌ)

من أسرار العربية

في تَرْتِيبِ السِنِّ: ما دَامَ فِي الرَّحِمِ: جَنِينٌ. إذا وُلدَ: وَليدٌ. لَمْ يَسْتَتِمَّ سَبْعَةَ أَيام: صَدِيغٌ (لأنهُ لا يَشْتَدُّ صُدْغُهُ إلى تَمَام السَّبْعَةِ). ما دامَ يَرْضعُ: رَضِيعٌ. إذا قُطِعَ عَنْهُ اللَّبَنُ: فَطِيمٌ. يُجاوِزُ العَشْرَ سِنِينَ: مُتْرَعْرعٌ وناشِئٌ. بَلغَ الحُلُمَ: يافِعٌ ومُراهِقٌ. احْتَلَمَ واجْتَمَعَتْ قُوَّتُهُ: حَزَوَّر وحَزْوَرٌ؛ قال الراجز:

لَنْ يَعْدَمَ المَطِيُّ منّي مِسْفَرا

شَيْخاً بَجالاً وغُلاماً حَزْوَرا

واسْمهُ في جَمِيعِ هَذِهِ الأحْوَالِ الّتي ذَكَرْنا غُلامٌ. اخضَرَّ شارِبُهُ وأَخَذَ عِذَارُهُ يَسِيلُ: بَقَلَ وَجْهُهُ. صارَ ذا فَتاء: فَتىً وشارِخٌ. اجْتَمَعَتْ لِحْيَتُهُ وبلغ غايةَ شَبابِهِ: مُجْتَمِعٌ. بَيْن الثَلاَثِينَ والأَرْبَعِينَ: شَابٌّ. ثُمَّ هُوَ كَهْلٌ إلى أن يَسْتَوفِيَ السِّتَينَ.

هفوة وتصويب

يقول بعضهم «كلا الصّديقين أحسنا الْمَوَدَّة»، و«كلتا المَرْأتَيْن حَضرتا» وهما خطأ، والصّوابُ «كلا الصّديقَيْن أحسنَ الْمَوَدَّة»، و«كِلْتا المَرْأتَيْن حَضَرَتْ» بتوحيد الخبر فيهما، لأنّ «كلا وكلتا» اسمان مفردان، وضعا لتأكيد الاثنين والاثنتين، وليسا مُثنّيين؛ ولهذا وقع الإخبار عنهما، كما يُخبر عن المفرد؛ قال أبو الأخيل العجلي:

كِلانا يُنادي يا نِزارُ وبَيْنَنا

قَناً مِن قَنا الخَطِيِّ أَو مِن قَنا الهِنْدِ

وقال عبدالله بن معاوية:

كِلانا غَنيٌّ عَن أَخيهِ حَياتَهُ

ونَحْنُ إِذا مِتنا أَشَدُّ تَغانِيا

ويقول آخرون «تَماثَل العَليلُ للشفاء»، وفيها حشوٌ، والصّوابُ «تَماثَل العَليلُ» أي: قارَب البُرْءَ، فصار أَشْبَهَ بالصحيح من العليل المَنْهوك، وقيل: إِن قولَهم تَماثَل المريضُ من المُثولِ، فكأَنه هَمَّ بالنُّهوض.

من حكم العرب

ذَريني أَنَلْ ما لا يُنالُ مِنَ العُلى

فَصَعبُ العُلى في الصَّعْبِ والسَّهْلُ في السَّهْلِ

تُريدينَ لُقيانَ المَعالي رَخيصَةً

ولا بُدَّ دونَ الشَّهْدِ مِن إِبَرِ النَّحْلِ

البيتان لأبي الطيّب، يقول لا يمكن امتلاك المعالي برخص، ومن اجتنى الشهد قاسى لسع النحل، فبلوغ المجد يحتاج إلى الجهد والمعاناة والمشقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4fh4s9sf

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"