عادي

سرديات كورية بطعم الحياة

00:04 صباحا
قراءة 7 دقائق
سرديات كورية بطعم الحياة

الشارقة: يوسف أبولوز

كنت محظوظاً بالحصول على ملخصات ملمومة وحيوية لعدد من الروايات الكورية الجنوبية صادرة عن دار «صفصافة» في القاهرة للناشر والصحفي والمثقف محمد البعلي في مناسبة اختيار كوريا الجنوبية ضيف شرف معرض الشارقة الدولي للكتاب 2023، وأرجع هذا الحظ بالحصول على روايات ملخصة إلى الفراغ الواسع الذي ينفرد أمامنا حين نبحث عن الأدب الكوري الذي يقوم على لغة معروفة في آسيا باسم «هانغل» وتعود، كما جاء في «الويكيبيديا» في نشأتها إلى القرن الخامس عشر على يد الملك «سيجونغ العظيم».

غير أنني أنطوي شخصياً على نفور تلقائي من تلك المعلومات التي يحصل عليها المرء من المواقع الإلكترونية، لا بل لا أثق بها أحياناً، وأظل قلقاً وشكوكاً بشأن مادة كمبيوترية لا أعرف أصلها ولا فصلها، والمرجع هنا هو الكتب، ولا مرجع آخر إلا الكتب، حتى لو كانت ملخصة.

سوف يزعم باستكبار مرفوض من يقول إن العرب، وبخاصة الكتّاب العرب يعرفون الأدب الكوري «الرواية والشعر مثلاً»، لكن هذا الرأي لا ينفي أن عدداً من المترجمين العرب قد ذهبوا إلى مناطق الرواية والشعر في كوريا الجنوبية، وربما ذهبوا إلى تلك المناطق الآسيوية من باب «مواجهة» الهجمة الترجمانية للشعر والرواية من اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية إلى العربية، وهي ظاهرة ترجمانية هائلة نعرفها منذ ستينات وسبعينات القرن العشرين. قرن الأيديولوجيات السياسية المتكئة في برامجها النفعية على الأدب.

على أي حال.. الكتاب الآسيويون، وبالطبع، بمن فيهم الكوريون، بعضهم يكتب بالإنجليزية، وبعضهم أصلاً يعيش في الغرب، ومع ذلك، تبدو اللغات، كما نعرف، هويات ومرايا وجسور تواصل، وسوف يجد القارئ في هذه الملخصات للسرديات الكورية الجنوبية الكثير من مشتركاته الوجدانية والثقافية مع أدب إنساني أولاً وأخيراً..نستطيع هنا ولو في قراءات موجزة أن نتوصل إلى الحس الأدبي والإنساني عند الروائيين الكوريين، وبالطبع، الضيف على معرض الشارقة الدولي للكتاب، وهي ليست ملخصاتي؛ بل، ملخصات دار نشر تحترم نفسها.

عن الألم والأمل

«رجال لا لزوم لهم» لصون تشانغ صوب (1922 – 2010)، هذه الرواية صغيرة الحجم، متلاحقة الأحداث، تبدأ من داخل عيادة طبيب الأسنان «مان كي»، لنجد أنفسنا فجأة متورطين معه في محاولاته لكي لا يخسر وظيفته. يواجه ضائقة مالية هادرة متصاعدة، ومع ذلك لا يفقد هدوءه ولا رزانته المعهودة، ويحاول جاهداً البحث عن حلول. وكما تورطنا معه، فهو كعادته يقوم بالتورط مع كل من حوله محاولاً مساعدتهم بكل ما يملك. فهو يعول أسرة كبيرة مكونة من أربعة عشر فرداً، بمن فيهم أصهاره؛ حيث كان يدفع رسوم دراستهم جميعاً في المدارس الإعدادية والثانوية وحتى في الجامعة. ولا يبخل على أصدقائه بأي شيء؛ بل يتمتع بكثير من الكرم، وربما السذاجة أيضاً.

هي رواية إنسانية تماماً، عن الأمل والألم، وعن الحب، والشرف والواجب. بأسلوب شديد العذوبة تمضي بنا أحداث الحكاية سريعة، متعاقبة. نشعر معها ونحن نقرأ بأنها صالحة لكل وقت، ولكل مجتمع؛ حيث الهم الإنساني واحد دائماً يأتي في صور متعددة، دافعاً الإنسان لأن يبذل كل ما في جهده، من دون أن يفقد الأمل، أو يخشى من الغد.

يعد صوب من أهم الكتّاب الذين يمثلون الأدب الكوري في خمسينات القرن الماضي. ولد في مدينة بيونغ يانغ في مقاطعة جنوب بيونغ آن بكوريا في عام 1922. وبدأ عمله أديباً بنشر القصة القصيرة «يوم العطلة» في مجلة «الأدب» عام 1952. تتميز أعماله بإعطاء القيمة إلى انعدام المعنى في الحياة الشخصية في ظل الظروف المدمرة والمشلولة بعد الحرب الكورية الأهلية. ومعظم الشخصيات في رواياته معاقون جسديّاً وذهنيّاً أو غير متكيفين مع الواقع، وأفعالهم لا معنى لها. وخلافاً للروايات السابقة التي كانت تركز على استكشاف الإنسان ككائن عاقل، فإن رواياته تؤكد انعدام المعنى للإنسان. من بين رواياته «يوم العطلة» و«رسالة الدم» و«الضحية» و«بدائية الحيوان البشري» و«الفتى».

تطور سريع

تبرز رواية «حقي في تدمير نفسي»، لكيم يونج ها ترجمة: منار أحمد الديناري، التطور السريع الذي شهدته مدينة سيؤول في التسعينات، يقع الأخوان «س» و«ك» في حب نفس المرأة. ثم تبدأ رحلتهما اليائسة في العثور على علاقة حقيقية تربطهما في عالم ضيق وصغير. يطارد الراوي الغامض حياتهما وهو يشرح طبيعة عمله في مساعدة الأرواح الضائعة والمتألمة على الخلاص من خلال الانتحار. في هذه الرواية، تبدو كوريا الجنوبية -التي اعتدنا عليها كالحلم الجميل- سينمائية في إلحاحها على مواكبة الحياة المعاصرة السريعة التي اجتاحت العالم خارجها.

«حقي في تدمير نفسي» هي رواية درامية صادمة عن التاريخ والفن والموت، حققت رغبة مؤلفها في وضع الأدب الكوري على خريطة الأدب العالمي، وقُدم من خلالها كصوت أدبي رائد لجيله.

كيم يونج ها كاتب وروائي كوري معاصر مواليد 1968، وهذه الرواية هي باكورة أعماله والتي قدمته إلى الساحة الأدبية الكورية والعالمية؛ حيث ترجمت إلى أكثر من أربع عشرة لغة. عُرف بمهارته في نقل الصراعات النفسية الداخلية وتطرقه إلى قضايا لا يناقشها الأدب الكوري عادةً، وعرضها بجرأة شديدة مثل الانتحار والاغتراب وغيرها من مشاكل الرأسمالية الحديثة. دائماً يولي اهتماماً كبيراً بالفنون في رواياته مثل الرسم والنحت والموسيقى. نال شهرة واسعة بعدما حاز جائزة «دونج إن» الأدبية عام 2004. وقد حاز خلال مسيرته الإبداعية العديد من الجوائز في كوريا، مثل «هيونداي الأدبية» 1999، جائزة «لي سان» 2004، جائزة «مان هيه» 2007، جائزة «لي سانج» 2012.

حياة مأساوية

في رواية «ملح» لكانج كيونج آي تعيش أم بونغ يووم حياة مأساوية، فهي لا تتمكن من توفير أبسط سبل العيش، وتعاني وأسرتها سيطرة الإقطاع والعصابات والشيوعيين، لكن إرادة الحياة لديها تجعلها تصر على المقاومة على الرغم من المعاناة التي تلاقيها. تدور أحداث هذه الرواية في كوريا أثناء عصر الاحتلال الياباني، لكنها ومثل أي أدب حقيقي تتجاوز حدود الجغرافيا الضيقة لتصور للقارئ معاناة الإنسان وهمومه في أي مكان وزمان لتصبح رواية معبرة عن الإنسان أياً كان جنسه. نص قصير مكثف في أحداثه، مؤثر وموجع يمس القلب ويجبرك على التأمل والتعاطف والتأثر بمعاناة بطلته وقصتها المؤثرة.

الكاتب:

كانج كيونج آي كاتبة كورية ولدت عام 1906 في مقاطعة هوانجهاي وعاشت حياة قصيرة وثرية بالإبداع والأحداث. وهي واحدة من المؤلفات اللاتي يمثلن أدب عصر الاحتلال الياباني لكوريا. انتقلت للحياة في منطقة كان دوو «منطقة في الصين حالياً» سنة 1932. ومن هناك ألفت عدداً من القصص، ومنها «ملح» التي يضمها هذا الكتاب.

صراعات

تناقش رواية «الشعير» لكيم نام تشون الصراعات بين الأفكار الكبرى وتحولات المثقفين وعدميتهم، تشوي موكيونج، فتاة كورية، تشرف على بناية يسكنها عدد من المستأجرين، تعاني تبعات قصة حب فاشلة مع حبيبها ابن الطبقة الثرية الذي يواجه مشاكل قضائية إضافة إلى رفض والده للعلاقة العاطفية بين ابنه وتشوي؛ أما والدتها فتتزوج مجدداً، لتزيد من تعقيدات حياتها.

يسكن مستأجر جديد غامض وغريب الأطوار في البناية؛ حيث تتوطد علاقته مع موكيونج وتدور بينهما نقاشات عميقة في الفلسفة والتاريخ.

تجري الأحداث في النصف الأول من القرن العشرين، لكنها تطرح أسئلة صالحة حتى اليوم.

رواية قصيرة مكثفة وممتعة إلى أقصى حد.

ولد كيم نام تشون في كوريا عام 1911. وأثناء دراسته الجامعية في اليابان خلال عشرينات القرن العشرين اقترب من الأفكار الماركسية ثم انضم إلى جماعة ثقافية يسارية عام 1929. وبعد عودته إلى كوريا ألقي القبض عليه ليقضي عامين في السجن. وفي عام 1947 انتقل إلى الحياة في كوريا الشمالية بعد انشطار كوريا إلى دولتين، وتولي حزب ماركسي السلطة في الشمال. انضم كيم كمندوب للجمعية الشعبية العليا المساوية للبرلمان في كوريا الشمالية وانقطعت أخباره بعد عام 1953، ويقال إنه قد تمت تصفيته.

بلد آخر

ثلاث قصص متنوعة في عوالمها وموضوعاتها، يجمع بينها التكثيف في السرد والمنهج الواقعي في الكتابة. تعطي لنا هذه القصص لمحات عن الحياة في القرى الكورية خلال النصف الأول من القرن العشرين. نقرأ في هذا الكتاب عن كوريا أخرى غير تلك التي في الملصقات السياحية، عن الألم والدموع والكفاح لمواصلة الحياة، قصص عن شعب واجه قسوة العالم وانتصر عليها. حكايات عن عوالم متنوعة؛ حياة في ظل الفقر ومحاولات الأسر للتغلب على صعوبات الحياة، الساعات الأخيرة قبل وفاة جدة العائلة الكبيرة، معاناة الفلاحين، الحروب والاحتلال وتوحش السلطة وسطوة الإقطاع.

المؤلفون الثلاثة؛ هيون جين-غون، تشاوي سو-هيه، وتشاي مان-سيك يعدون من رواد الكتابة السردية الحديثة في اللغة الكورية. تنتمي معظم كتاباتهم إلى المذهب الواقعي؛ حيث اهتموا بتسليط الضوء على معاناة الأسر الكورية الفقيرة خاصة في الريف، وقد ترجمت أعمالهم إلى العديد من اللغات.

مشاعر مفعمة

«رسائل إلى صديق شاب» للي غوانغ-سو هو مفعمة بالمشاعر يرسلها الكاتب إلى صديقه، يرى الكاتب أن الحب هو كل شيء في الحياة، لا قيمة للثروة أو النفوذ، تنتاب الكاتب موجة من الأسئلة الوجودية حال إصابته بالمرض، ما هي الحياة وما هو الموت؟ ما جدوى الدراسة وجدوى أي شيء عدا الحب؟ الحب بمعناه الإنساني الواسع وليس حب المرء لمحبوبته، الموت حاضر بقوة أيضاً في هذه الرسائل؛ حيث لا يستطيع الكاتب منع نفسه من التفكير في الموت أثناء تجربة مرضه. كتابة مرهفة مفعمة بالأحاسيس بلغة مختصرة محددة عارفة بوجهتها من دون استرسال زائد أو نقصان.

لي غوانغ-سو هو روائي وشاعر وصحفي وناشط كوري وُلد في محافظة بيونغ آن الشمالية عام 1892، ويُعد رائداً للأدب الكوري الحديث. شارك في حركة الاستقلال الكورية لكنه دعم الاحتلال الياباني في آخر حياته.

كلاسيكيات

«رحلة موجين» للكاتب كيم سونغ اوك تعد من كلاسيكات أدب القصة القصيرة الكوري، يعيش بطل القصة في سيؤول، ويستعد لاعتلاء منصب كبير في شركة الأدوية التي يعمل بها؛ لذا وبناء على اقتراح زوجته يقرر القيام برحلة إلى مسقط رأسه «موجين» لأخذ قسط من الراحة قبل بدء مهام المنصب الجديد، وفي «موجين» المملوءة بالضباب، يلتقي بأصدقائه القدامى ويتعرف إلى مدرسة الموسيقى، وتتوطد علاقتهما خلال تلك الرحلة، فيا ترى كيف ستنتهي رحلته في مدينة الضباب؟

وفي قصة «السكير» للكاتب «تشوي إن هو» رسمت القصة الطابع العبثي للمجتمع، من خلال تصوير حياة وعادات السكارى الذين يحاولون الهروب من الواقع؛ وذلك عبر حكاية البي الذي يخترق عالم الكبار في وقت مبكر؛ حيث يذهب إلى عدد من الحانات للبحث عن أبيه، ويبلغ السكارى بحالة أمه الحرجة وأنه بحاجة إلى أن يجد أباه، لكي تتحسن حالة أمه، وخلال رحلة البحث عن الأب بين الحانات يقابل العديد من السكارى وينشغل بحياة الليل عن مهمته الأصلية، فأين قد تقذفه أمواج هذه الحياة؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ycyep44e

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"