نتحدث كُتباً..

كلمات
00:26 صباحا
قراءة دقيقتين

لا يختلف اثنان بأن الكتب أنقذتنا، باتت عالمنا الذي نلجأ إليه؛ جردتنا من عوالم لا تناسبنا، ومن فكرة الاختلاء بأفكار سبقتنا، فالدائرة التي لا تحتوي سوى كلمات، تتناغم في حديثها معك. قد تقرأ عن الحب، فتصبح في خيلاء وانتشاء مفرح، وقد تقرأ عن الحرب، فتصبح في دوامات من الكمد والحزن الذي كان في الماضي، وقد تقرأ عن المغامرات، فتصبح في دواخل عقلك، حالة من النشاط المفرط، وقد لا تتناسب يوماً مع البعض، فترفض الانغماس لعوالم؛ بعضها فنتازيا؛ وبعضها الآخر خيال مفرط. لا نختلف أن الاختلاف فرصة، وأن التنوع مدخل للتعلم غير المحدود، القارئ يصبح بنفسه عالماً من الرقي والمعرفة، التوازن والصبر، الارتواء والحكمة، تصبح لا إرادياً مختلفاً عمّن يحيط بك، تصبح ذا فهم للواقع، وتحليل للقادم، تصبح شخصاً غير الذي كنته، وتنتقي من الحياة ما يناسب نموك ونضجك، تترفع عن توافه الأمور، وتبتعد عن السطحيات، وتصبح حياتك كتباً، وتتحدث أنت كتباً.

لا يختلف اثنان أن الكاتب الناجح، هو قارئ في أصله، أن القلم الرصين هو قلب وفكر إنسان، دخل المتاهات، واستقر في المجرات، وابتهج مع التغيرات، وصار مع المتحولات الكونية والإنسانية، أسهل للتقبل والتكيّف، حتى ترجم ما يعيشه في رواق الكتب، وترجم ما ينفع البشرية من تجارب الحياة في سطور ذات عمق وأثر وتأثير. الكاتب الناضج ليس إنساناً عادياً، فقد مر بمخاضات، جعلته يعيد الخروج من الشرنقة، والدخول آلاف المرات، يوازن الأمور، ويعرف متى يخرج، ومتى يعود، متى يصبح مع الجمع، ومتى مع النفس، ارتأى لنفسه حياة تختلف عن العموميات، وكرّس نفسه بألا يكون قلماً عابراً في أروقة الدور وممرات المعارض.

لا يختلف اثنان أن البُعد الثقافي في معارض الكتب، هو بعد إنساني بحت، فهو الترجمة للثقافات والأبعاد، وهو الاحتواء للأديان والشعوب، وهو المكان الذي ستجد فيه بعضاً من إجابات واستقرار وموازنة الاحتياجات، وهذا ما ستراه في كل مرة تزور فيها معرضاً مثل معرض الشارقة الدولي للكتاب، في ضيفه المختار، في تنوع الإصدارات، في اختلاف الجاليات، في تحدي الجلسات، في إبهار المتحدثين، وفي صمت المتلقين، في أسئلة القرّاء، وتجارب الإعلاميين، في وسط يختلف الداخل فيه عمّن خرج، في كل أروقة الأطفال المبتسمين ومساحات الإبداعات الممتدة على بساط الكثير من المفاجآت.

لا يختلف اثنان أن بناء الإنسان يبدأ من حيث يقفل كتاباً ويفتح آخر، من حيث انتهى الجيل الماضي، وامتد ليمسك بيد جيل مستقبلي حالم، من سؤال وجواب ورؤى تتطلع إلى العودة لخريطة الثقافة والحضارات، لا يختلف اثنان أن الكتاب كان وسيبقى لغة الحوار غير المنتهية، ومجرة معرفة تدور ولا تتوقف.

لا يختلف اثنان أننا بحاجة إلى كل قطرة تعيد فينا إحساس الحياة، على الرغم من كل ما نمر به، لنتنفس حياة بين دفتي كتاب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/23ykn87e

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"