سقوط الكراهية

00:34 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

تمثل حالة سقوط وزيرة داخلية بريطانيا سويلا بريفرمان، نموذجاً لسقوط الكراهية والعنصرية، عندما تتجلى بالفعل والممارسة، لذلك جاءت إقالتها من منصبها، نتيجة طبيعية لسلوك سياسي غير سوي يحمل مقداراً كبيراً من الكراهية والحقد تجاه الآخر المختلف سياسياً ودينياً ولغوياً.

اللافت أن هذه الشخصية هي من أصول إفريقية من المفترض أن تكون على دراية بمعاناة الشعوب الإفريقية طوال سنوات الاستعمار الأوروبي والاسترقاق الأمريكي، وأن تتخذ مواقف فيها شيء من العدالة والحق تجاه شعوب أخرى تعاني الاحتلال، لكن يبدو أن بعض هؤلاء من جذور إفريقية أو آسيوية ممن يتبوؤون مناصب سياسية في بلدانهم يتناسون جذورهم، ويتخذون نهجاً سياسياً متطرفاً، وكأنه انتقام من ماضيهم، ولكن بحق آخرين لا علاقة لهم بما عاناه أجدادهم، بهدف تأكيد ولاءهم للمؤسسات التي يخدمونها.

لقد تمادت بريفرمان كثيراً في مواقفها المتحيزة لإسرائيل على وقع الحرب في قطاع غزة، جراء تظاهرات الغضب العارمة في بريطانيا الداعية إلى وقف المجزرة بحق الأبرياء، الأمر الذي اعتبرته استفزازاً شخصياً لها، فدعت بداية إلى تجريم رفع علم فلسطين و«الشعارات المعادية لإسرائيل»، لأنها حسب زعمها تصل إلى حدود «مخالفة جنائية» في قانون سلامة الجمهور.

وقبيل خروج التظاهرة المليونية في العاصمة لندن يوم السبت الماضي للمطالبة بوقف إطلاق النار، طلبت من مفوض الشرطة مارك راولي منع التظاهرة، ولما امتنع عن تنفيذ الطلب، نشرت مقالة في صحيفة «التايمز» قارنت فيها بين هذه التظاهرة وبين المسيرات الطائفية التي جرت في أيرلندا الشمالية في أواخر العشرينات من القرن الماضي، ووصفت تظاهرة لندن بأنها «مسيرات للكراهية ومعاداة للسامية»، واتهمت الشرطة «بازدواجية المعايير». هذه المواقف أججت مشاعر الغضب ضدها داخل حزب المحافظين الذي تنتمي إليه، وداخل حزب العمال المعارض، رغم أن رئيس الحكومة ريشي سوناك يشاطرها نفس الموقف تقريباً، لكنه لم يستطع تحمل نتائج أفعالها، وخصوصاً تجاه الشرطة، وتداعيات ذلك على الحكومة والحزب.

زعيم حزب العمال كير ستارمر اتهمها بتغذية مشاعر «الكراهية والارتياب»، ورأت وزيرة الداخلية في حكومة الظل إيفيت كوبر في تصريحان بريفرمان «هجوماً مروعاً وغير مسبوق» على قيادة الشرطة، و«تأجيجاً متعمداً للتوترات».. ومن حزب العمال أيضاً قال عمدة لندن صادق خان «لو كان لدى بريفرمان أدنى شرف فعليها أن تستقيل، وإذا لم يكن، فعلى ريشي أن يقيلها».

وإزاء الضغوط السياسية المتزايدة لم يكن أمام ريشي إلا أن يتخذ قراراً بإقالتها، خصوصاً أنها كانت قد أطلقت قبل ذلك تصريحات معادية للاجئين، وصفت وصولهم إلى بريطانيا ب«الغزو»، ما أثار حفيظة العديد من السياسيين الذين وصفوا ذلك ب«العنصرية والكراهية». ويأتي رحيلها عن الحكومة في وقت لا يزال حزب المحافظين لا يحظى بشعبية كبيرة بين الناخبين، وجاءت التظاهرات البريطانية الأخيرة المناهضة للمجازر ضد المدنيين، والرافضة لسياسة الحكومة المؤيدة لإسرائيل، لتزيد من عزلة حزب المحافظين الذي ينجرف نحو هزيمة انتخابية محتملة العام المقبل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p97ktew

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"