انتخابات سيكون لها ما بعدها

03:37 صباحا
قراءة 4 دقائق

يشهد الأردن يوم الثالث والعشرين من يناير/كانون الثاني الجاري انتخابات نيابية مبكرة لملء 150 مقعداً لمجلس النواب السابع عشر . تتسم هذه الانتخابات بطابع سياسي طالما افتقدته الدورات الانتخابية السابقة التي كان ينظر فيها إلى أغلبية المترشحين على أنهم مشاريع نواب خدمات أو ممثلي عائلات وعشائر أو أصحاب طموحات شخصية . عوامل عدة أضفت هذا الطابع على الانتخابات المزمعة .

العامل الأول، يتمثل في موجة الربيع العربي التي لم يكن الأردن بمنأى عنها، حيث شهد نشوء عشرات الحراكات الشعبية، وانطلاق مئات التظاهرات والمسيرات والاعتصامات والإضرابات على مدى العامين الماضيين، فضلاً عن حرية التعبير الواسعة عبر مئات المواقع الإخبارية الإلكترونية، وما لا يحصى من متابعات وتعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي، اخترق الكثير منها كل سقف، وتجاوزت كل خط أحمر .

العامل الثاني، أن هذه الانتخابات تتم في مناخ ينحو منحى متزايداً وإن بحذر، نحو توسيع دائرة الإصلاح، وقد دخل الملك عبدالله الثاني على خط السجالات مشدداً على رؤيته بضرورة تشكيل الحكومات اعتماداً على تركيبة الكتل داخل مجلس النواب، وبالتشاور المسبق معها لاختيار رئيس مجلس الوزراء، وقد أفصح رئيس الحكومة الحالي د . عبدالله النسور في لقاء جمعه بعدد من الصحافيين قبل أيام، عن توجّه الملك إلى التخلّي عن بعض صلاحياته اختيارياً وتدريجياً .

العامل الثالث، هو تشكيل هيئة مستقلة للانتخابات برئاسة الدبلوماسي المخضرم والوسيط الدولي عبدالإله الخطيب، وهي هيئة يناط بها الإشراف على سائر مراحل العملية الانتخابية ومراقبة الخروق وتلقي الشكاوى والرد العلني عليها ومعالجتها أولاً بأول، مع السماح لمراقبين محليين ومن الخارج بمراقبة الانتخابات .

العامل الرابع، هو التعديل الذي طرأ على قانون الانتخاب بحيث يمنح المقترع صوتاً لمرشح في دائرته وفق نظام الصوت الواحد السابق، وصوتاً آخر لمرشح قائمة وطنية على مستوى البلاد لملء 27 مقعداً . وهو عدد متواضع مقارنة بمجمل المقاعد ال ،150 وكانت اجتهادات ورؤى سابقة عبرت عنها الأجندة الوطنية قد دعت إلى المناصفة بين مقاعد القوائم والمقاعد الفردية . ورغم ذلك فقد اندفعت نحو 60 قائمة للترشح يتنافس فيها 820 مترشحاً بينهم 84 سيدة لملء المقاعد ال ،27 في حين ترشح 698 لملء المقاعد الفردية بينهم 129 سيدة، وتشمل المقاعد الفردية 15 مقعداً للكوتا النسائية و108 لمقاعد المستقلين . المتحمسون للانتخابات يتطلعون إلى خروج مجلس نواب جديد أكثر تمثيلاً وبعيداً من تدخلات السلطة التنفيذية ونفوذها التقليدي، ويسمح بإدخال تعديلا ت على قانون الانتحاب بخصوص نسبة القوائم وتوزيع المقاعد على المناطق حيث تشكو المناطق الحضرية الأكثر كثافة سكانية، من ضآلة نسبية في عدد ممثليها .

العامل الخامس، يتمثل في دخول عدد من الأحزاب اليسارية والقومية ضمن ائتلافات مع شخصيات مستقلة في قوائم وطنية، ترشحت للانتخابات، على صعوبة هذه العملية، وذلك مع العدد الكبير من مترشحي القوائم الذي أربك الجمهور وخلط ما بين السياسيين والساعين إلى الوجاهة .

العامل السادس، والذي لا يقل أهمية عما سبق، هو الحملة التي انطلقت لمقاطعة الانتخابات التي قادتها جماعة الإخوان المسلمين ذات النفوذ وأحزاب يسارية وحراكات شبابية وشخصيات مستقلة، ونظمت لهذا الهدف ملتقيات علنية صاخبة، بينما كانت حملات المقاطعة شبه محظورة في الانتخابات السابقة . تتمحور الحملة على ما تعدّه تدخلات مستمرة من قبل الأجهزة في مسار الانتخابات، وعدم ملاءمة قانون الانتخابات للتطلعات التي عبرت عنها الحراكات الشبابية، واستمرار نفوذ المال السياسي . وقد أتبعت جماعة الإخوان إعلان مقاطعتها للانتخابات برفضها المشاركة كذلك في مجلس الأعيان الذي يعين الملك أعضاءه في حال تمت تسمية أحد من أعضاء الجماعة لعضوية هذا المجلس الذي يضم عادة عدداً من الأعيان يبلغ عدد نصف عدد أعضاء مجلس النواب . وفي حملات الحراكات انبثقت دعوات لاختيار أعضاء مجلس الأعيان بالانتخاب، أو الاستغناء عن هذا المجلس .

لما تقدم من أسباب وعوامل، فإن المعركة الانتخابية تبدو هذه المرة ذات مضمون سياسي، وواقع الحال أن السلطة على أعلى المستويات ترغب في أن تنحو الأمور هذا المنحى، وقد سعت سعياً حثيثاً إلى جذب جماعة الإخوان للانتخابات، والهدف من ذلك هو الخروج من دوامة تشكيل الحكومات واستبدالها بأخرى، حيث يعدّ الأردن واحداً من أعلى دول العالم في عدد حكوماته بعد إيطاليا، والهدف الثاني هو ملاقاة الحراكات الشعبية والشبابية والمناطقية في منتصف الطريق، وجذبها إلى العمل تحت قبة البرلمان، وكذلك على مقاعد السلطة التنفيذية، وهو أمر عبّر عنه الملك الذي التقى بعض رموز الحراكات الشبابية خارج الديوان الملكي، مع السعي إلى البرهنة على جدية مكافحة الفساد بمحاكمة رئيس سابق لجهاز المخابرات، ورئيس مجلس إدارة شركة الفوسفات الكبرى وهذا زوج عمة الملك، ومسؤولين آخرين أقل درجة .

ككل انتخابات لا أحد يعلم بما سوف تسفر عنه هذه المباراة، وهل ستنجح الهيئة المستقلة المشرفة في الحد من النفوذ المتوارث للسلطة التنفيذية وأذرعتها على مجرى هذه العملية؟ . . وهل يسفر المجلس الجديد عن وجوه إصلاحية حقيقية برؤى مستقلة عن دوائر النفوذ المالي والسياسي والأمني؟ . . وقبل ذلك هل تشهد المناسبة إقبالاً ملموساً من المقترعين، أو تنجح حملات المقاطعة في ثني نسبة معتبرة عن الاقتراع؟ . . أياً تكن النتيجة، فإن الاستقرار الحيوي والمثمر، وآمال تجديد النظام السياسي من داخله وعبر القنوات الدستورية، منوطة بالفعل بهذه المناسبة وما سوف ينجم عنها من تداعيات لاحقة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"