«صاغة» الفن الصادق

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

أربعون عاماً والضحكة ما زالت تعلو وجوه الناس حين يشاهدون، ولو مقطعاً صغيراً، من مسرحية «الانفجار الجميل»، (إنتاج عام 1983)، تأليف أنور عبدالله، إخراج السيد راضي، بطولة سمير غانم، وهالة فاخر، وميمي جمال، وحسن حسني، والطفل (آنذاك) مؤمن حسن، وغيرهم، ممن صاروا نجوماً فيما بعد.. أربعون عاماً؟ بل عُد إلى الوراء أكثر لتتأكد أن كل ما تم تقديمه من مسرحيات كوميدية نالت نجاحاً كبيراً في وقتها، مثل «شاهد ما شفش حاجة» (1976)، وفي العام نفسه «المتزوجون»، وقبلهما «مدرسة المشاغبين» (1971)، وغيرها الكثير من الأعمال التي ما زالت «تعيش» إلى يومنا هذا، وما زلنا نحب مشاهدتها، وتحصد إعجاب كل الأجيال.. وتواكب العصر لتتصدر «الترند». 
مشهد من مسرحية «الانفجار الجميل» انتشر خلال حرب غزة وصار «ترند»، جاذباً للناس، وأعيد نشره آلاف المرات، وأصبح الكل يردد «ضربني بوشّه في إيدي»؛ وبغضّ النظر عن ربط المشهد بالأحداث، ومواقف الدول، والإسقاطات التي صنعها أحدهم على ما يجري بين فلسطين وإسرائيل وأمريكا، فإن المشهد بحد ذاته عبقري، تأليفاً وأداء وإخراجاً، يدفعك للتساؤل عن أحوال الكوميديا اليوم، وما وصلت، إليه سواء تلفزيونياً، أو مسرحياً، أو سينمائياً، حيث بات فن إضحاك الجمهور نادراً جداً، والتفاهة وافتعال الكوميديا والتهريج سائدة.
الفن الحقيقي لا يموت، بل الكتابة الذكية والأعمال المصنوعة بحرفية عالية وبأنامل «صاغة» الفن والكوميديا الذين يتعاملون مع التأليف بدقة صاغة الذهب والمجوهرات، يقابلهم محترفون بدرجة مبدعين في الإخراج وممثلون يجبلون الموهبة بالإيمان المطلق بالفن باعتباره رسالة يجب أن تليق بمرسلها وبمتلقيها، وصناعة الضحكة ليست تهريجاً ولا ابتذالاً ولا نكتة عابرة تبيع فكرة سطحية.
كم مسرحية وعملاً تلفزيونياً وفيلماً سينمائياً كوميدياً شاهدنا في السنوات الأخيرة، وما الذي بقي منها في ذاكرتنا، ويستحق أن تعود إليه لمشاهدته مرات ومرات، وفي كل مرة تضحك كأنك لا تعرف هذه اللقطة، ولم تسمع هذا الحوار، ولم تشاهد هذا الأداء من قبل؟ إذا أحصيتها، فلن تجد الجميل والراقي منها يوازي ما تم إنتاجه في الستينات والسبعينات والثمانينات، وحتى التسعينات.. بلا شك كان هناك بعض الأعمال السطحية، أو غير الناجحة، لكنها كانت تشكّل أقلية مقابل الأعمال الناجحة، والتي تعتبر علامة فارقة في الفن العربي، بينما ما نراه اليوم هو العكس تماماً، والنسبة الأكبر للفشل والفاشلين، والناجح لا يرقى إلى الخلود في أرشيف الفن وذاكرة الجمهور.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3zwj582b

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"