عادي

الإسلام.. سلام وإخاء

23:14 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

يظن بعضهم أن الإسلام يفرض على أتباعه أن يهمشوا الشعوب التي تؤمن بالشرائع السماوية الأخرى، وأن ما يحدث من صراعات سياسية ترجمة للصراعات الدينية، لكن هذا التوصيف يظل غريباً ودخيلاً على فكر وثقافة المسلمين المستقاة من أوامر القرآن الكريم وتوجيهات رسول الإنسانية الخاتم صلوات الله وسلامه عليه.

والسؤال: ماذا قدم الإسلام لنشر قيم التسامح الديني والإخاء الإنساني؟

الصورة

يؤكد د. شوقي علام مفتي مصر، أن الإسلام، وهو خاتم الأديان السماوية، لا يعرف ثقافة الإقصاء أو التهميش، وبعيد كل البعد عن روح العداء والمواجهة التي قد يختلقها بعض المتطرفين هنا أو هناك. ويقول: «الإسلام أراده الله ليكون خاتم الأديان السماوية لنشر ثقافة السلام في ربوع العالم، وتعاليمه تنشر المحبة والألفة والتعاون بين البشر».

تعاليم الإسلام

ويضيف: «تعاليم الإسلام وتشريعاته تشيع السلم في العالم، فالسلام جوهر رسالة الإسلام ومعنى من معانيه ومقصداً من مقاصده، حيث يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً»، فالسلم اسم من أسماء الإسلام، وهو دين الرحمة ودين الأمن ودين السلام، فقد جاء ديننا الحنيف ليرفع الظلم والعدوان عن المستضعفين، جاء الإسلام ليعمم مكارم الأخلاق، وينشر الحق والعدل بين الناس، وينقل البشرية من الجور والظلم إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، وقد وصف الله تعالى رسوله محمداً، صلى الله عليه وسلم، بكونه رحمة للعالمين، بل جعل رسالته، صلى الله عليه وسلم، مقصورة محصورة في هذه الوظيفة الراقية (وظيفة الرحمة)، وقد عبر سبحانه وتعالى بأسلوب الحصر والقصر عن هذا المعنى بقوله «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».

ويوضح مفتي مصر رؤية الإسلام الواقعية والمثالية للأمن فيقول: الله سبحانه وتعالى جعل الأمن ثمرة من ثمرات التطبيق الأمثل لرسالات الأنبياء والمرسلين، حيث قال تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ».

ويقول: من سمات الدين الإسلامي ومقاصده: (السلم، والعدل، والأمن، والرحمة)، للبشرية جمعاء، ومن ثم فإن أي نشاط أو دعوة أو علم يدور في فلك دين الإسلام العظيم، أو يتحدث باسمه، أو يتصدى لتحقق مقاصده، ينبغي أن يكون محققاً لهذه المعاني السامية الراقية من نشر السلم والرحمة والأمن والعدل بين الناس، وكل فكر أو نشاط يحقق عكس هذه المعاني، فلا شك أنه بعيد تمام البعد عن دين الإسلام وعن هدي رسول الإسلام ونبي السلام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.

وينتهي د. علام إلى التشديد على أن الإسلام لا يعرف إلا (العقل والحكمة) سبيلاً لنشر الأفكار والعقائد، وقد قرر القرآن الكريم هذا المبدأ في قول الحق سبحانه: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ»، إلى جانب مبدأ (الحرية في اختيار العقيدة) التي يسير عليها كل إنسان بقناعاته الشخصية والعقلية: «فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، وكل هذه النصوص تؤكد أن الإسلام دعوة سلمية تحترم عقائد الآخرين ومبادئها وأحكامها، وعلاقته بالآخرين تقوم على المحبة والسلم لا على العنف والإكراه.

التسامح الديني

ويؤكد د. عباس شومان، وكيل الأزهر السابق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أن رصيد الإسلام من التسامح الديني يرد تلقائياً على أي فرية يرددها خصومه في كل عصر، وكل ما جاء به القرآن الكريم، وهو دستور المسلمين التاريخي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يؤكد أن الإسلام دين الإخاء الإنساني، حيث تتعدد وتتنوع صور التسامح والعفو والرحمة في تعاليم وأحكام ديننا العظيم التي حملها لنا هذا الكتاب المقدس، كما تتجسد ثقافة التسامح في ما جاء به من قيم وأخلاق وتوجيهات، وما يشيعه بين الناس من آداب، تفرض على الإنسان الملتزم بتعاليمه وأحكامه وتوجيهاته احترام الآخرين، والتعامل الرحيم معهم، والتماس الأعذار لهم، والحرص على التعاون والتفاهم والعمل المثمر المفيد للجميع.

ويوضح د. شومان، أن التسامح الإسلامي في التعامل مع المخالفين في العقيدة، ينير سماء الإسلام، ويقول: «انطلاقاً من هذه الشعلة، انتشر علماء الأزهر في العالم كما جاب شيخ الأزهر الإمام د. أحمد الطيب العالم شرقه وغربه يلتقي رجال الدين والمفكرين والمثقفين وأساتذة الجامعات غير المسلمين ليتحاور معهم، وينقل لهم الصورة الصحيحة لديننا ومواقفه الثابتة والراسخة منهم».

ويؤكد أن «ثقافة التسامح» في ديننا العظيم يحمل القرآن الكريم لواء الدعوة إليها، وترسيخها بين الناس، فتسامحنا مع المخالفين في العقيدة، والاعتراف بكل حقوقهم، ليس شعاراً للاستهلاك السياسي أو الإعلامي، أو وسيلة للخداع الديني أو النفاق الاجتماعي، بل هو ثقافة راسخة في سلوك كل مسلم، ومن يتخلى عنه يعد في نظر القرآن خارجاً عن تعاليم الدين الإسلامي، وينبغي تصحيح فكره وتقويم سلوكه، ومعاقبته على ما يرتكب من سلوكيات عدائية تجاه الآخرين إذا لم يفلح معه النصح والتوجيه.

وعن ملامح التسامح الديني في الإسلام يقول د. شومان: القرآن الكريم وضع دستور العلاقة العادلة بين المسلمين والمخالفين لهم في العقيدة في حالتي السلم والحرب، وقضى على العصبيات والأهواء والأحقاد التي قد تسيطر على نفوس الناس، إذ إن دين الله الخاتم رفع شعار (الحوار والتعارف والتلاقي والعمل المشترك) تطبيقاً لنداء الحق سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ».

ثقافة التعارفويؤكدد. سعد الحلواني، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن ثقافة التسامح التي يرسخها الإسلام، وروح التعاون والتعارف التي يتعامل بها مع المخالفين في العقيدة هي التي أدت إلى انتشار رسالة الإسلام واتساع رقعة الدولة الإسلامية رغم كل المعوقات.. ويقول: حقائق التاريخ تؤكد أن رسالة الإسلام انتشرت بسرعة فائقة في كل ربوع العالم بفضل قيم العدل والتسامح والرحمة وغيرها من القيم الإنسانية الرفيعة التي جاء بها هذا الدين العظيم، وهذه القيم هي التي تضبط سلوك المسلم، وتحدد له إطار المباح والمحظور والمشروع وغير المشروع من السلوكيات والتصرفات والمعاملات، وبهذه القيم الإنسانية انتشر الإسلام في ربوع العالم، ووجد طريقه إلى العقول والقلوب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3tnk7p36

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"