الكلفة العالية للتخفيضات

21:54 مساء
قراءة 4 دقائق

سونالي كولهاتكار*
اقترب موسم العطلات المميز بتخفيضاته الكبيرة داخل المتاجر الافتراضية والعينية، واقتربت معه التحضيرات لشراء أهم وأجمل المقتنيات الشخصية، وعلى رأسها بالطبع الملابس الجاهزة. ولكن، هل أعرنا انتباهنا يوماً للتكلفة العالية لتلك الأسعار المخفضة؟ وهذا ينطبق بشكل خاص على منتجات الموضة الجذابة بأسعار معقولة والمُصنعة في أماكن منسية على الجانب الآخر من الكوكب.

وتعتبر بنغلاديش ثاني أكبر مصدر للملابس الجاهزة في العالم بعد الصين، ويمثل القطاع 84% من إجمالي صادرات البلاد وما يقرب من 16% من الناتج المحلي الإجمالي. وتعتمد علامات تجارية معروفة مثل «إتش آند إم»، و«زارا»، و«كالفن كلاين»، و«أمريكان إيغل»، و«تومي هيلفيغر»، وغيرها، على مصانع الملابس المنتشرة بكثرة هناك.

ومعلومٌ أن النساء في بنغلاديش يكدحن في صناعة الملابس وبأجور زهيدة حتى نتمكن من ارتدائها. لكن حالهن، على غرار معظم عمال الصناعة، يزداد سوءاً. لذا، ارتفع الصوت عالياً، وتردد صداه عبر المحيطات، وهزت الاحتجاجات الجماهيرية المطالبة بزيادة الأجور مؤخراً الدولة الواقعة في جنوب آسيا، وتبعات الأمر لم تنتهِ بعد.

وحتى وقت قريب، كان عمال صناعة الملابس الجاهزة في بنغلاديش، البالغ عددهم 4 ملايين شخص تقريباً، وأغلبهم من النساء، يحصلون على أجر ضئيل لا يتجاوز 75 دولاراً شهرياً. ووفقاً لأحد التقديرات، تبلغ تكلفة المعيشة للفرد الواحد حوالي 360 دولار في الشهر، لا تشمل الإيجار. الأمر الذي أشعل مظاهرات حاشدة للمطالبة بزيادة منطقية في الأجور.

وبعد اشتباكات دامية الشهر الفائت بين العمال في صناعة الملابس والشرطة، قالت الحكومة البنغالية، إن الشركات المصنعة سترفع الحد الأدنى للأجور 56.25% إلى 12500 تاكا (114 دولاراً) شهرياً اعتباراً من الأول من ديسمبر/كانون الأول، وهي أول زيادة منذ خمس سنوات، لكن العمال يطالبون بمثلي المبلغ المعروض تقريباً.

ظاهرياً، تبدو العلامات التجارية الأمريكية التي تملأ مخزوناتها من المصانع في بنغلاديش على الجانب الصحيح من النزاع الحاصل. فقد حثّت الجمعية الأمريكية للملابس والأحذية، وهي مجموعة تجارية صناعية، دكا على رفع الحد الأدنى للأجور إلى مستوى يغطي الاحتياجات الأساسية للعمال. وطالبت الحكومة بتجنب الصدام مع النقابات المهنية واحترام حقوق المفاوضة الجماعية. وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً قالت فيه: «إننا نشيد بأعضاء القطاع الخاص الذين أيدوا مقترحات النقابات لزيادة معقولة في الأجور».

علاوة على ذلك، اقترح تجار التجزئة العالميون خفض أرباحهم من خلال زيادة السعر الذي يدفعونه للمصانع، للمساعدة على زيادة أجور الموظفين. إذ تبلغ في الوقت الحالي تكلفة العمالة اللازمة لإنتاج الملابس 10% إلى 13% فقط من إجمالي تكلفة تصنيع المنتج. ولكن هل هذه الشركات العالمية، والتجار من ورائهم، ملتزمون حقاً بدعم عمال صناعة الملابس، والضغط من أجل زيادة أجورهم؟

كشفت دراسة استقصائية شملت حوالي 1000 مصنع في بنغلاديش، نُشرت في أوائل عام 2023، أن شركات مثل «زارا» و«إتش آند إم» تدفع أجوراً زهيدة للمعامل مقابل تصنيع وشراء أفخر أنواع الملابس، مما يجعل من الصعب على هذه المعامل دفع رواتب موظفيها.

وعندما أغلقت جائحة «كوفيد-19» عام 2020 بوابات العالم التجارية والاقتصادية، ألغى كبار تجار التجزئة الغربيين آلاف الطلبات إلى مصانع الموردين في جنوب آسيا، وأجلوا الدفعات المتراكمة السابقة، مما تسبب بدمار مالي واسع النطاق لأصحاب المصانع، مع تعطل أسباب الرزق لمئات الآلاف من العمال الآسيويين.

وقال أحد خبراء الصناعة لصحيفة «غارديان» البريطانية: «فقط عندما يكون الموردون قادرين على التخطيط للمستقبل، مع الثقة بأنهم سيكسبون كما هو متوقع، يمكنهم توفير ظروف عمل جيدة لعمالهم».

إلى ذلك، مرت أكثر من 10 سنوات على أسوأ كارثة في مجال صناعة الملابس في العالم؛ حيث قتل أكثر من 1100 عامل، معظمهم من النساء، إثر انهيار مصنع ملابس «رنا بلازا» المكون من ثمانية طوابق في بنغلاديش.

وفي أعقاب الكارثة، رفضت العلامات التجارية في أمريكا الشمالية الانضمام إلى الشركات العالمية الأخرى في التوقيع على اتفاقية مكافحة الحرائق وسلامة المباني في بنغلاديش. وبسبب التكاليف المرتفعة، اختاروا بدلاً من ذلك تشكيل تحالفهم الخاص لتفتيش المصانع، وهو التحالف الذي طبق معايير سلامة أقل.

لقد كان ذلك مؤشراً صارخاً على أين تكمن أولويات هذه الشركات، ودليلاً فاضحاً على أن تعليقاتها الأخيرة حول زيادة الأجور ليست سوى كلام في الهواء ونثر فوق السطور.

ومن باب المفارقة السوداء، من المتوقع أن تزيد قيمة سوق الأزياء الجاهزة عالمياً إلى أكثر من الضعف على مدى السنوات المقبلة، لتنمو من 91 مليار دولار في عام 2021 إلى 185 ملياراً بحلول عام 2027. لكن في الوقت نفسه، يواجه العمال الذين يغذون هذه العوائد «المليارية»، وهم حجر الأساس لهذا التوسع، المجاعة أو الفقر، والعيش ضمن الحد الأدنى لمتطلبات الحياة الأساسية.

بالتالي، ربما تكون أفضل هدية يمكننا تقديمها في موسم العطلات المقبل الالتزام بإجبار الصناعة على فتح صندوقها والدفع لهذه الطبقة المهمشة في بعض مناطق الجغرافيا العالمية.

*صحفية ومقدمة برامج تلفزيونية «أوراسيا ريفيو»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2pbsdu3y

عن الكاتب

صحفية ومقدمة برامج تلفزيونية «أوراسيا ريفيو»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"