بلزاك وما أدراك!

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

يعتقد أحد من تناولوا أدب ديستوفسكي بأنه استوحى فكرة روايته «الجريمة والعقاب» من الكاتب الفرنسي بلزاك عندما كان يلتهم كتبه؛ بل ترجم أحدها إلى الروسية. رأي فيه قولان، لكن حتى لو صحّ فليس هذا بمأخذ، فالآداب تتفاعل وتتأثر ببعضها، فالفكرة التي يرى الكاتب المشار إليه وهو ي. كارياكين، في كتابه «ديستوفسكي.. إعادة قراءة»، أنها استوحيت من بلزاك لن تكون أكثر من الشرارة التي قدحت في ذهن ديستوفسكي الفكرة، ليبدع ذلك العمل الذي خلّدته العصور، واحتفت به السينما أيضاً.
غاية القول إن ديستوفسكي قامة عملاقة مثل بلزاك، وحين اختار الكاتب النمساوي ستيفان شفايج ست قامات أدبية عالمية أسمى أصحابها «بناة العالم»، وضع في الجزء الأول منه الألماني هولدرلن، ثم ديستوفسكي يليه بلزاك، وعن ديستوفسكي قال: «كان وحيداً تشي رسائله ببؤس الحياة وعذاب الجسد، لكنه تحوّل إلى أسطورة، وإلى قديس يشعّ كيانه معنى خالداً، إنساناً وأديباً وسياسياً»، وعن بلزاك الذي بدأ الكتابة في حجرة مهجورة ويكتب رواياته الأولى تحت اسم منتحل، قال: «اتركوه يحلق. اتركوه يغرِّد. دعوه يهمر علينا تلك المعارف التي يختزنها في مراقبته بتجارب وطباع وحياة الآخرين».
لم يكن ديستوفسكي هو الأديب الروسي الوحيد الذي «التهم» كتب بلزاك التهاماً، فمثله فعل مواطنه مكسيم غوركي، حتى أنه خصص مقالاً عن علاقته بأدبه، نجده في كتابه «كيف تعلّمتُ الكتابة»، الذي وضع له مالك صقور ترجمة عربية جيدة، وفيه قال غوركي: «يسعدني دائماً أن أتذكر إبداع بلزاك، كعابر السبيل في واد ٍغير ذي زرع، طويل وممل، يتذكر بقعة قريبة فيها ما فيها من الجمال والخصب والغنى والقوة»، وحكى كيف ترك أول كتاب لبلزاك قرأه من الأثر في نفسه: «وقع في يدي مجلد صغير من مجلدات بلزاك وكان ذلك المجلد هو روايته «الجلد المسحور»، وأذكر بجلاء المتعة التي لا توصف عندما قرأته، وخاصة الصفحات التي يصف فيها مكان (الأنتيكات) العتيقة، فهذا الوصف يبقى عندي من أعظم نماذج النحت بالكلمات».
ليس ديستوفسكي وبلزاك وحدهما من الأدباء الروس الذين أحبّوا بلزاك. مثلهما كان تولستوي، الذي يقول غوركي إنه سأله مرةً: «لمن تقرأ أكثر من الآخرين؟»، فذكر له من يقرأ لهم، فرّد عليه: «هذا حسن. لكن اقرأ للفرنسيين أكثر. بلزاك مثلاً الذي تعلمتُ عليه الكتابة».
حيّر بلزاك مجايليه في غزارة إنتاجه وعمقه، وعنه قالوا: «إما أنه رجل مجنون يركب رأسه الشيطان، وإما أن روحاً أدبية عبقرية تتقمصه وتسمح له بهذه الغزارة في الإنتاج».
وعلى كل حال، فإن في العبقرية شيئاً من الجنون.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4kjzbt7e

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"