أمّ اللغات

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

يكاد «غوته» في الديوان الشرقي أن يكتب باللغة العربية لاقترابه الروحي واللغوي من الإسلام والأدب العربي، وهو إن لم يكتب بالعربية، فقد امتلأ بها والتقط روحها البلاغية الجمالية من خلال الشعر. والمفكر الفرنسي غابرييل رانجليه في كتابه «إنجيل مفكر حرّ» يتحدث عن الإسلام وبينه وبين اعتناقه شعرة، ومن يتحدث بهذه الروحية الفكرية المنفتحة على الشرق العربي، فهو بالروحية الفكرية ذاتها ضمنياً يمتلئ بالعربية.
الكاتب الفرنسي عتيق رحيمي (من أصول أفغانية) يكتب عن الخط كما لو أنه يرسم لوحة أو يؤلف قطعة موسيقية، وما هذه الكتابة في حقيقتها الجمالية سوى احتفاء ثقافي وتشكيلي بالحرف العربي.
عشرات من الشعراء الأتراك كتبوا باللغة العربية في النصف الأول من القرن العشرين، وكتبوا شعراً على أوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي. يقول عبد اللطيف بندر أوغلو الذي نقل مختارات من الشعر التركي إلى لغتنا: إن تأثير اللغة العربية في الأدب التركي بدأ من القرن العاشر الميلادي، ويقول: إن أوّل أثر أدبي تركي مكتوب بالأبجدية العربية هو ديوان «هيبة الحقائق» للشاعر التركي أديب أحمد بن محمد اليوغيناكي، أما الشاعر التركي فضولي البغدادي (888 هجرية - 963 هجرية) فقد كان يكتب باللغة العربية، إلى جانب التركية والفارسية، وكان البغدادي أمير شعراء الترك.
العربية في يومها العالمي، وفي كل الأيام، لغة أدب، لغة شعر، يقوم على كنايات وتورية ورمز واشتقاقات، وكانت أيضاً لغة علم. لنعد مرة ثانية إلى غابرييل رانجليه ليقول «لنتذكر الطبيب الكبير والفيلسوف ابن سينا الذي لم يترك علماً في زمنه إلّا ونهل منه، ولنتذكر أيضاً بعد قرن من الزمن ظهور أول شروح أرسطو في الأندلس»، وبالطبع باللغة العربية.
يقول شاعر داغستان الكبير رسول حمزاتوف إن والده، كان شاعراً كبيراً أيضاً يكتب بالعربية، كان يحب حروفها ذاتها، ويرى فيها مواطن الجمال، لا بل إن والد حمزاتوف الشاعر الشهير في الحقبة السوفييتية لم يكن يعرف الروسية، وكان يقرأ تشيخوف وتولستوي بالعربية.
يقول رسول حمزاتوف إن اللغة العربية كانت منتشرة في داغستان: «بعضهم كان يكتب بالعربية لأنه لم تكن لداغستان أبجديتها، وبعضهم كان يكتب ويقرأ بالعربية، لأنها تبدو لهم أغنى وأبهى من اللغات الدّاغستانية».
في بعض البلدان الإفريقية، اليوم، شعراء شباب يكتبون شعراً باللغة العربية، وما من لغة في العالم إلّا وتعود في بعض جذورها الأبجدية إلى العربية، اللغة الأم للغات عديدة في الحضارات العظيمة التي قامت أصلاً على الحروف.
الله صنع العالم من الحروف، يقول رانجليه، ولعلّ من أجمل هذه الحروف (الألف) الحرف العربي الذي له خصائص الجسم البشري على حدّ قول عتيق رحيمي.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bddyhssb

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"