حلم اللغة دعابة جديّة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

ماذا لو قال لك أحد: إن أخطر الناس على العربية هم عشّاقها؟ كلام معقول، بدليل أن «الحبّ أعمى». عندما تقع في الغرام، لا يمكن أن تُخضع الحبيب لفحص سريري شامل، تختبر كل أجهزته من قِبل المتخصصين، تتعقب مظانّ الخلل والعلل في مناعته، تستكشف نقائص تغذيته، تعزّز مواطن القوة، وتقوّي مواضع الضعف. الأشعار في عمى الحبّ توزن بميزان الشعير لا كالزعفران الحرّ. خذ مثلاً: «يا قوم أذْني لبعض الحيّ عاشقةٌ.. والأذْن تعشق قبل العين أحيانا». في العقد السادس الماضي، زار نزار قباني تونس لإلقاء أمسية شعرية. آنذاك، كانت مذيعة «همسات الليل» ذات صوت ملائكي ساحر، وكان متيّماً بنبراتها منذ أمد. في المطار سألته الصحافة عمّا يشتاق إلى رؤيته في تونس، فقال: فلانة. وعند اللقاء، كانت الصدمة والترويع.
لغتنا في حاجة إلى حبٍّ عاقلٍ واعٍ عليمٍ بصير. من أراد الصراحة التي تجلب الراحة، فإن العربية انتقلت إلى مرحلة حرجة، إلى حدّ أن علماء اللغة صاروا، مع حفظ الألقاب، كلاعبي الاحتياط في كرة القدم. اللاعبون الفعليّون هم أهل تطوير مناهج العربية، مراكز البحث العلمي، التنمية الاقتصادية الشاملة، وصولاً، بعد عقود، إلى إنتاج العلوم. الأدوار الأساسية التي على المؤسسات اللغوية أن تلعبها، هي: التعاون الوثيق مع أنظمة التعليم في تبسيط القواعد وتطوير التدريس، تعريب العلوم، متابعة الإعلام والثقافة، اللذين تتردى فيهما العربية إلى منحدرات لا تطاق، وإلى التحلل المساق.
ثمّة نقطة مهمّة، تستطيع الأسرة أن تُحدث بها معجزة سحرية، تنسف بها التردّي، وتقلب بها الطاولة على المتسببين في الانحدار. حتى لو حققت هذا الإنجاز30% بل تكفي 20% من الأسر، فإن وجه العالم العربي سيتغير. القلم على يقين من أنه يحلم، ولكن الحلم يظل الصاعق المهمّ في المشاريع. من روائع العربية أن الأحلام تعني العقول أيضاً، حتى في السخرية الهجائية: «جسم البغال وأحلام العصافيرِ».
في الأمهات والآباء الذين هم دون الأربعين، نسبة الثلث أو الربع، قادرون على التحدث إلى مواليدهم منذ الإطلالة على الدنيا، بفصحى نسبيّة، لا نطالبهم بأن يكونوا أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء، لا نريد أن يناموا ملء جفونهم عن شواردها. هؤلاء يجب أن توشّح صدورهم بنياشين «عشاق العربية». هؤلاء هم الحماة الذين تحت أقدامهم جنّة شروق العربية.
لزوم ما يلزم: النتيجة الارتقائية: ماذا لو جرّبت الأسرة ذلك، وفوجئت بأن الحضانات تستقبل فلذات الأكباد بالفصحى؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yc46z4em

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"