أرفع القبّعة لأقسام التصحيح

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

الصحافة صنيعة أعلام ورجال أدب وفكر ممتلئين باللغة العربية ومحصّنين بها. «صاحبة الجلالة» أيضاً أدخلت في مكوّناتها المهنية التحريرية أقساماً في منتهى الأهمية، وهي أقسام التصحيح، وبعض الصحف أعطتها مُسَمّى أقسام التدقيق اللغوي. وكاتب هذه السطور يسمّيها أقسام التصفية والتنخيل والفرز والمراقبة، لولا هذه الأقسام الحيوية لصدرت الصحف «شوربة» مؤذية من الأخطاء.
لا أدري بشكل توثيقي دقيق متى ومن أدخل أقسام التصحيح إلى الصحف، غير أن هذه الأقسام اللغوية الحرفية هي هدية الله إلى مهنة الصحافة، فالعناصر التي تعمل في هذه الأقسام، هم جنود رائعون مجهولون، هم لغويون، وبلاغيون، ومعجميون، ومعلّمون محترمون، وفي الوقت نفسه، بينهم شعراء وأدباء يتوارون دائماً وراء حيائهم الإنساني العظيم، فلا يعلنون عن أنفسهم. 
أقسام التصحيح اللغوية في الصحف هي أقسام تنقية القمح الصحفي من الزؤان والقصل والتراب؛ إذ تقوم هذه الأقسام على أشخاص مسكونين روحياً ووجدانياً بفصاحة اللغة العربية، ويؤذي قلوبهم أي خطأ، كما لو أن الواحد منهم تعرّض لسرقة أو خدعة.
أحب زملاء المهنة في أقسام التصحيح منذ أن كنت في جريدة «اليوم» في الدمام العام ١٩٨٢، وفي العام ١٩٩٦، عملت في جريدة «الدستور» الأردنية، إحدى أمّهات وعلامات الصحافة العربية، وكان يرأس تحريرها آنذاك الرائع الجميل الناقد الأدبي والمثقف والمترجم الدكتور نبيل الشريف، فقال لي منذ البداية: ستكون كاتباً يومياً في «الدستور»، وخصص لي زاوية في الصفحة الثانية من الجريدة (جهة اليسار على عمودين) بالطول الذي أريده في الكتابة، وفي الوقت نفسه قال لي: في فترة مؤقتة يكون دوامك في قسم التصحيح، إلى حين نقلك إلى (الديسك)، وبالفعل عملت مصححاً، ومن ثم انتقلت في «الدستور العزيزة» إلى (ديسك) الأخبار المحلية، وقد قرأت منذ زمن بعيد أن قسم التصحيح اللغوي في جريدة «النهار» اللبنانية، وهي مدرسة صحفية، كان أهم الأقسام بالنسبة إلى مزاج وروح غسان تويني.
لماذا أقسام التصحيح؟ لأنها مصفاة الجريدة، وإلى اليوم، وحتى لحظة كتابة هذه الكلمات، أعود إلى زملائي الكرام في «الخليج» حين أقف شكّاً أو تردّداً أمام نحو أو صرف أو لغة..
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/33u527dv

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"