قصة مدينة بلا طبّ

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

ماذا تقول لمن يحدّثك عن مدينة ليس فيها مستشفى ولا عيادة ولا صيدلية، ولا حتى طبيب أو ممرّضة؟ ستتبسّم ضاحكاً من قوله قائلاً: ما هذه بمدينة، إن هي إلاّ قريةٌ في العصر الحجري. لكن، ما الذي جعل ذلك الشخص ينصرف إلى هذا التمثيل، كأنه يقصد سوء القصد، وإلاّ فهل توجد مدن أو بلدات على هذا النحو، إلاّ أن تكون في الأدغال أو حيث التقى تأبّط شرّاً الغول؟
قال القلم: ما كنت أظنك تخفى عليك هذه الخافية، فهي علّة ما لها شافية، إذا لم تنزل معجزةُ العافية. ذلك الماكر مرماه بعيد، وسهمه شديد سديد، وبصره ثاقب حديد. هو يُلوّح بتلواحٍ لوّاحٍ إلى صقور العقول، بما يُغرق الأفهام في الذهول. إذا كانت المدينة التي ليس بها مشفىً يُلفى، فلا أحد من المسؤولية يُعفى، فما رأيك في عَالم عربي نفوسه أربعمئة مليون آدمي، لا يوجد من بينهم ولا حتى فيلسوف واحد؟ أجيال المفكرين الكبار رحلوا، قل تجنباً للشطط إن في كل بلد عربي في المتوسط عشرة مفكرين، بل قل عشرين، من باب: «وأوفوا الكيل إذا كلتم». ما شاء الله، أكثر من أربعمئة مفكر إذاً. لكن أين هم في الحياة اليومية؟ نظريّاً وافتراضيّاً، هم موجودون، أمّا في الشأن العام فلا يجوز تشبيههم بالغول والعنقاء. مطبوعات العلوم الاجتماعية لا أحد ينكر وجودها أو انتقالها السلس من المطابع إلى رفوف الأرشيفات، كأنما تمشي على البيض.هل رأيتَ لها أثراً في حياة الشعوب؟
المنطق له منطقه، فحين تسأل أين هم خبراء الشؤون الاجتماعية؟ أين أهل الأنثروبولوجيا وعلم النفس الاجتماعي؟ أين مفكرو الاقتصاد والعلوم الإنسانية جميعاً؟ الفضائيات، شكر الله سعيها، تتحفنا عندما تسري النيران في هشيم البلدان، بإعادة تدوير العسكريين المتقاعدين، فتنفخ فيهم من أوكسجين الوغى، فإذا الخرائط خرائب. أهل الذكر في الفكر غائبون عن الفضائيات، فمن هم الجديرون بالحلول محلّهم؟ حتى في انهيارات الدول تكون السيوف التي هي أصدق إنباءً من القرارات والتوصيات، تلوح ساطعةً لامعةً من العواصم التي لا عاصم من أوامرها ونواهيها.
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغزيّة: كيف لم يدرك العرب طوال التاريخ الحديث أن للبلدان أمراضها، التي تحتاج إلى كل التخصصات؟ فمن هم الأطبّاء؟ حين يكون الفكر في الصفّ الأخير، فالصدارة للفساد والتخلف.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/48rsdryc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"