كم ساعة في اليوم يكتب الكاتب؟

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

كان هنري ميللر في مقتبل العمر حين شعر برغبة في أن يكتب. قال لنفسه: «لديّ موهبة ولا بد لي من قلم». بدأ المحاولة بقلم وصفه بالصغير، وفوق ورقة قال عنها إنها مهملة، فقد كانت صحيفة صغيرة مصوّرة، لعله حاول الكتابة على ما هو متاح منها من هوامش بيضاء. وبدأ الكتابة، ولكنه لم يكتب سوى نصف صفحة. 
بعدها ألقى بالورقة وراح يحدّث نفسه ثانية، ولكن هذه المرة بالنقيض: «أنا لا أقدر على الكتابة، ولن أعرف أن أكتب أبداً. أنا لست كاتباً»، ولم يعد يكتب إلا بعد عشر سنوات، ليصبح هنري ميللر الكاتب الشهير الذي بات القراء في العالم كله يعرفونه أديباً كبيراً وشغوفاً بالرسم أيضاً. وحسب النقاد فإن لبعض لوحاته قيمة فنية كبرى، ولشغفه بالرسم فإنه سأل بيكاسو مرة: «كيف أرسم؟» فأجابه: «لا تفكر في الموضوع، افعلها فقط». وهذه، فيما نرى، نصيحة ذهبية لكل من يأنس في نفسه ميلاً إبداعياً ما، ألا يتردد في الإفصاح عن موهبته.
رواية ميللر الأولى كانت «الأجنحة المتكسرة»، ونعلم جميعاً أن لجبران خليل جبران رواية تحمل العنوان نفسه، وتدور حول قصة حب روحي بين فتى وفتاة، ولكنه حب يائس لا يجتمع طرفاه إلا بعد الممات، أما «أجنحة» ميللر المتكسرة فقد كانت كتاباً ضخماً يدور حول اثني عشر ساعي بريد يعرفهم شخصياً بحكم عمله في شركة للتلغراف، وعن الكتاب قال ميللر إنه لا يعتبره رواية بالمعنى الكامل، ولكنه عرض لنماذج بشرية، وكانت المرة الأولى التي عمل فيها بشكل جاد و«نشط جداً» حسب قوله.
ونأتي إلى السؤال المثير للفضول: «كم ساعة في اليوم يكتب الكاتب؟» سؤال ما أكثر ما يوجه إلى الكُتّاب في الحوارات التي تُجرى معهم، فمن يُجرون هذه الحوارات شغوفون بمعرفة تفاصيل مثل هذه، لا عن عدد ساعات عمل الكاتب على كتابته فقط، وإنما أوقاتها، وأمكنتها، وسوى ذلك، وعن علاقته بهذا قال ميللر: «كنت أعتقد أن على الكاتب أن يعمل ثماني ساعات في اليوم»، ولكنه أوضح أنه، وهو يضع كتابه الأول، أرهق نفسه كثيراً: «كنت أعمل كامل النهار، من الصباح إلى المساء».
أقوال ميللر هذه جاءت في حوار كريستيان دي بارتيا معه، وهو حوار مطوّل جداً، حتى أن ميللر سأل محاوره: «هل تريد أن تضع كتاباً عبر هذا الحوار؟» فأجابه المحاور: «حتى لو ظلّ هذا العمل داخل الأدراج، سأكون راضياً عن إنجاز رحلة طويلة». 
الكتاب لم يذهب إلى الأدراج؛ بل صدر بعنوان «اعترافات هنري ميللر في الثمانين»، متاح بترجمة عربية لخالد النجار.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2jh6z7uu

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"