د. عبدالعظيم حنفي*
باستثناء العالم الموسوعي «جون فون نيومان» (والذى يمكن تذكره اليوم بشكل كبير لعمله على نظرية اللعبة ولمساهماته في مجال الرياضيات والميكانيكا الكمية وحسابات الآلات)، فإن رواد البرنامج الحديث لعلم الاقتصاد نادراً ما يتم ذكرهم خارج نطاق المهنة. ولم يقم أحد على الإطلاق بإعطاء أمثلة الأسلوب الحديث أفضل من «فرانسيس بلومبتون رمزي» -، الذي يعد معجزة عرف بشكل أفضل باسم «فرانك»، وهو من تسبب في العشرينات من القرن الماضي بتمزيق كامبريدج، إنجلترا.
ويمكن التعرف إلى مدى حالة الهياج التي سادت بين الشباب في كامبريدج في تلك الأيام من خطاب كتبه العالم ذو العشرين عاماً لصديقه «ويتجينستين» عام 1922(والذي استرجعه تلميذ «رمزي» الذي يدعى «بيتر نيومان)»: «لم أكن أقوم بكثير من الجهد بشأن إعادة بناء الرياضيات؛ جزئياً لأنني كنت أقرأ قراءات متنوعة: قليل من النسبية وقليل من «كانت» وقليل من «فريج».. وقد استطعت بعد معاناة أن أنجز كمية جيدة من العمل. أعتقد أنني استطعت أن أحل جميع المشاكل حول محدودية الأرقام الصحيحة، ماعدا المشاكل المرتبطة ببديهية الكفاءة، ولكن قد أكون مخطئاً».
في أوائل العشرينات أصبح جلياً أن إعداد «رمزي» من ناحية الرياضيات كان أفضل من معلمه في مواجهة التحديات التي ظهرت فيما بعد. فقد نشر فقط ثلاث أوراق بحثية في الاقتصاد، كانت لكل منها أهمية أساسية. وأكثر تلك الأوراق انتشاراً كانت بعنوان «نظرية رياضية للادخار»، والتي ظهرت في The Economic Journal عام 1928، وذلك بعد الصفحات التي كتب فيها ل «ألين يونج» والتي كانت بعنوان «تزايد العوائد والتقدم الاقتصادي».
وربما لم يكن الفرق بين الإسهام العظيم في التيار الرئيسي والكلاسيكيات المدفونة في باطن الأرض أكثر وضوحاً. إذ بينما تحاشى «يونج» الرياضيات بشكل تام، اتجه «رمزي» في حالات نادرة لاستخدام القواعد التي تكاد أن تكون محرمة لحساب المتغيرات في التفاضل والتكامل وذلك كوسيلة للوصول إلى قرار حول مقدار الدخل الذي ينبغي على الدولة أن تدخره لتحصل على أكبر قدر من الإشباع عبر الزمن. وقد استخدم نموذجاً يندمج فيه رأس المال مع العمل لخلق تيار من الإنتاج (أو «المربى»، وهي العبارة الشهيرة لصديقه جون كينز )، والتي يتم استهلاك جزء منها ( «المربى اليوم» ) وجزء آخر يتم ادخاره ( «مربی الغد» ) وفي طريق تحقيق حالة مستقرة من «النعيم» طرح «رمزي» إجابة معقدة إلى حد ما ولكنها دقيقة: من الناحية الرياضية. إن المخطط الحكيم لا بد أن يربط استهلاك المربی بسعر الفائدة: حيث يأكل مزيداً من المربى عندما يقل سعر الفائدة، ويأكل أقل عندما يرتفع سعر الفائدة.
ويرى العديد من النقاد أنه ربما لو كان «رمزي» قد عاش لكان قد أصبح أحد أعظم اقتصاديي القرن العشرين. وبالرغم من أن «نظرية رياضية للادخار» لم تعد إلى الحياة من جديد حتى الخمسينات من القرن المنصرم، على يد «روبرت سولو» فإن الطرق الخاصة بالإنجليزي «رمزی» ، وليست طرق الأمريكي «ألين يونج» هي التي تم تطبيقها في العالم الجديد، كجزء من الحركة الحديثة. ولكن «رمزي» توفي وعمره 26 عاماً على إثر مضاعفات مرض اليرقان، وذلك عام 1930، وتوفي «يونج» بسبب مرض الإنفلونزا بعد ذلك بفترة قليلة.
* أكاديمي مصري