مصادر الطاقة تتغير

04:21 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. لويس حبيقة

يقول «جيريمي ريفكين» في كتابه «الثورة الصناعية الثالثة» إن مجتمعاتنا ستعرف 3 ثورات أساسية في نفس الوقت: ثورة المعلومات والاتصالات المستمرة. ثورة الطاقة المتجددة والمتغيرة كما ثورة تخزين الكهرباء التي ستسمح بتخزين الطاقات المتجددة من الشمس والهواء. مصادر الطاقة تتغير تبعاً لعوامل عدة مرتبطة بتوافر العرض وعوامل الطلب. هنالك دعم لبعض المصادر لأسباب مختلفة أخل بعملية العرض والطلب وأساء إلى الاقتصادات المتنوعة من ناحيتي التكلفة والمصلحة الوطنية. أكثرية الدول العربية دعمت استهلاك النفط وها هي اليوم مضطرة للتراجع عن هذا الدعم لأسباب مالية. كيف يمكن تفسير هذا الأمر للمواطن العادي الذي يعاني الكثير ماديا وسيعاني أكثر؟
ساهم صندوق النقد الدولي في دفع الدول العربية إلى إلغاء الدعم أو التخفيف منه لأن الموازنات لا تتحمل هذا البذخ المتواصل منذ سنوات. إذا كان لا بد من دعم لأسباب اجتماعية، فلماذا لا نتوجه إلى الطاقة المتجددة وبالتالي يستمر الدعم المدروس لسنوات مقبلة. مشكلة الدعم أياً كان أنه يشجع على التبذير وليس على التنبه في الاستعمال والاستهلاك، وهي عقيدة العصر العالمي الحالي. الاهتمام العالمي بالبيئة والتلوث وبالتغير المناخي يفرض على كل الدول أن تهتم في نفس الوقت بصحة شعوبها ونموها الاقتصادي. حتى اليوم، تتوزع مصادر الطاقة العالمية على النفط (31,5%)، الفحم (28,8%)، الغاز الطبيعي (21,3%)، النووي (5,1%) والباقي يتوزع على المصادر الأخرى بما فيها المائية والشمسية. حكماً البيئة ليست أولوية كما يظهر في هذه الإحصاءات المقلقة. هنالك أيضاً تفاوت بين المناطق من ناحية حصة كل مصدر.
مثلاً في الولايات المتحدة، 36% من مصادر الطاقة نفطية، بينما لا تتعدى 18% في الصين حيث الحصة الكبرى هي للفحم أو 66%. طبعاً الاقتصاد الصيني غير متطور في الطاقة كالاقتصادات الغربية، إلا أن التفاوت كبير ومقلق بيئياً. إن الطاقات المتجددة أي المائية والهوائية والشمسية لا تشكل أكثر من 10% عالمياً، وهذا قليل جداً نسبة للجهود الضخمة المبذولة لتنويع المصادر والاهتمام بالبيئة وبتكلفة المصادر وتوافرها وتجددها تبعاً للمناطق. انخفاض أسعار النفط مؤخراً أحدث خللاً في النشاط التغييري، أي خفض الحماسة للتنويع نظراً لفعالية هذه الطاقة في الإنتاج وتوافرها بسهولة في كل الكرة الأرضية إنتاجاً ونقلاً. هنالك خبرة كبيرة بنيت على مدى عقود من العمل والتجارب في إنتاج النفط ونقله وتكريره وتوزيعه عبر البواخر والآليات والأنابيب وغيرها لا يمكن استبدالها بسهولة. لا يمكن التخلي عن النفط كمصدر أساسي عالمي للطاقة بل يمكن القيام بتوزيع أفضل للمصادر لا يضر حتى الدول المنتجة التي تهتم كغيرها بالبيئة والصحة والمناخ والتوازن المالي.
هنالك دراسات موثقة بالأرقام تقول إن الدول الغنية بالمواد الأولية تنمو بنسب أقل. لا تدير هذه الدول في معظم الأحيان إيراداتها بشكل جيد، بحيث تستهلكها عوض أن تستثمرها في المشاريع الحيوية الضرورية. الدول الجدية هي التي تضع أهدافاً في الطاقة. مثلا دول الوحدة الأوروبية تهدف إلى جعل 20% من استهلاكها العام من الطاقة المتجددة قبل سنة 2020 مع اختلاف بين الدول أي 18% لألمانيا، 23% لفرنسا، 31% للبرتغال و49% للسويد. في الولايات المتحدة، ليست هنالك أهداف وطنية محددة إنما هنالك أهداف لبعض الولايات مثلاً لماين 40% قبل سنة 2017 و25% لمينيسوتا قبل 2025. تسعى الحكومات إلى دفع المجتمع نحو استهلاك أفضل عبر وضع معايير لبعض الصناعات منها وأهمها صناعة السيارات. هنالك معايير قاسية وضعت في الولايات المتحدة لصانعي السيارات تهدف ليس فقط إلى تخفيض الاستهلاك وترشيده بل إلى دفع التكنولوجيا نحو الأمام وهذا في غاية الأهمية. لا تقتصر هذه المعايير على السيارات وإنما تتعداها إلى الإنشاءات والأدوات المنزلية والكهرباء عموماً وغيرها. ما يواجه المستهلك عموماً هو سعر السلع ذات الطاقة المنخفضة بحيث تكون عموماً أغلى وبالتالي يتجنب شراءها. المؤسف أن المستهلك ينظر إلى الإنفاق اليوم وليس إلى معدل الإنفاق مع الوقت أي إدخال المستقبل في حسابات اليوم.
لا شك أن دول مجلس التعاون الخليجي قلقة اليوم من بقاء سعر النفط منخفضاً نظراً لتأثيره المباشر في الصادرات والإيرادات. إلا أن هذا الواقع يدفعها لتنويع اقتصاداتها بشكل أسرع وأفعل وهي قادرة على ذلك. بين سنتي 2011 و2014، بلغت قيمة صادرات النفط نحو70% من مجموع صادرات الدول الست و80% من إيرادات الموازنات. تختلف هذه الأرقام من دولة إلى أخرى أي من ناحية نسبة صادرات النفط من المجموع بين 32,6% للإمارات و88,9% لقطر مرورا ب 83% للسعودية. إذا قارنا بين سنتي 2000 و2014، نرى أن الإمارات خفضت ثقل النفط في صادراتها من 45% إلى 32,6% بينما بقيت النسبة نفسها تقريباً في السعودية وقطر. لا شك أن سياسات التنويع نجحت في الإمارات وكذلك في عمان بينما حصل العكس في كل من البحرين والكويت. في نسبة إيرادات النفط من مجموع إيرادات الموازنات، تختلف الأرقام تبعاً للدول. إذا قارنا إحصاءات سنتي 2000 و2014، نرى أن الثقل المالي للنفط يرتفع في 5 من دول مجلس التعاون باستثناء قطر حيث يبقى ثابتاً على 90,5%. الموازنات التي تعتمد الأكثر على النفط هي في قطر والسعودية والأقل هي الإمارات.
تأثير أسعار النفط في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي ليس مباشراً فقط، بل هنالك تأثيرات غير مباشرة أي في النظام المالي والمصرفي وبالتالي في إقراض الشركات وثم النمو. تتأثر الودائع كثيراً وثم أسعار الأصول وبالتالي أوضاع المواطنين المالية. في نسبة أصول المصارف من الناتج، تبلغ 260% في البحرين، 193% في الإمارات، 165% في الكويت، 149% في قطر، 121% في عمان و93% في السعودية. الأرقام أدنى من ناحية نسبة حجم البورصات من الناتج نظراً لأن الأسواق المالية لم تتطور بعد كما يجب في دول مجلس التعاون بالرغم من أنها الأفضل شفافية وفعالية وحركة بين دول المنطقة إلا أنها لم تصل بعد إلى المستويات الغربية. في قيمة أصول البورصات من الناتج، تبلغ 74% في قطر، 73% في الكويت، 71% في السعودية، 64% في البحرين، 60% في الإمارات و28% في عمان. العوائق أمام النمو المالي ليس فقط عدم توافر القدرة على التطوير، بل المطلوب تشريعات جديدة تفتح الأسواق كما ثقافة مالية جديدة توسع الخيارات المتوافرة أمام المواطن والشركة. ليست هنالك مبررات للحذر من الاستثمارات الأجنبية بدءاً من العربية إلى العالمية لأن الدول الست قادرة على الرقابة والحماية عندما تقضي الظروف بذلك.
إذا لم يكن ممكناً الاستمرار بالدعم لمصادر الطاقة بسبب الشح المالي، كما لدفع الشركات والمواطنين نحو الترشيد الاستهلاكي، لا بد من إصلاحات كبيرة في أمور متعددة تسمح بالتعويض عن هذه المساعدات وأهمها: إصلاحات ضرائبية حيث تعلن دول مجلس التعاون الخليجي عن إدخالها للضريبة على القيمة المضافة قبل سنة 2018 في حدود 5% وهذا ممكن ومنطقي ومقبول. يجب رفع فعالية القطاع العام بحيث يؤدي المهمات المطلوبة منه في خدمة المواطن والمجتمع. يجب تحديث البنية التحتية التي تشيخ وبالتالي لا يمكن تجاهل التطور ضمن القوانين التي تحرر عمل القطاع الخاص وتشجع على الخصخصة. لا بد من يد عاملة حرة تستطيع تغيير مصدر رزقها بسهولة حتى لو كانت أجنبية لأن هذا يخلق حيوية في سوق العمل تستفيد منها البلاد وترفع من تعلق العامل بعمله وبالدولة المضيفة. تساهم هذه الأفكار مجتمعة في زيادة نسب النمو ورفع الإنتاجية في كل القطاعات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"