ستنتصر الحياة

01:09 صباحا
قراءة دقيقتين

لم يشهد العالم العربي هذه الدرجة من الصراع المتقّد الآن بين الموت والحياة فيه، بين إصرار بعض أبنائه على المغامرة بالمعاني الوطنية والإنسانية والوصول بنا إلى قاع الجحيم في مواجهة القابضين على جمر بلدانهم ونذر أنفسهم لوضعها في مسارات التقدم.

كنا نظن أن التيار العدمي المصمم على أن يكسب كل شيء، أو يحرق كل شيء سيصمت بعد أن انكشفت عوراته وبطلت حججه، لا بالتصدي الرسمي الحازم له فحسب، بل بصحوة الشعوب التي صهرتها تجارب العشرين عاماً الأخيرة، فانفرطت أمامها كل التحالفات والمؤامرات التي كانت تريد هدم كل ما نملك، وفي القلب منها أوطاننا.

توارى هذا التيار وتشتت عناصره في أقطار العالم تحاول لملمة ما تبقى منها وتعيد بناء روابطها الآثمة، ولم يتيسر لها ذلك إلا ببث روح اليأس واتهامات التخوين، ومحاولة اختطاف أية أزمة بالمنطقة لتنشيط تجارتها بالدين والدنيا.

تاريخياً، تتنازع عالمنا العربي دوماً تيارات وأفكار متضاربة تتجسد في اتجاهات تتنافس، تنظيراً وتطبيقاً، في التعبير عن نفسها والنفاذ إلى قاعدة أوسع.

وبقيت هذه المنافسات في معظم الأحوال على أرضية وطنية أو قومية، فيها اتفاق على مشتركات وإن اختلفت ترجماتها، غير أن التيار الذي لا يعرف لغةً إلا الدم، يعادي الجميع ومهما أبدى من استعداد للتحاور والتعاون، تفضح الوقائع ما يبطنه من سعي لالتهام كل شيء، والتفرد بكل ما نملك، والتمسك بلغة دموية.

أبناء هذا التيار يريدون العودة، لكن على جثث المنطقة وشعوبها، وبالتالي فإن أى معنى للإنسانية والحياة هو عدوهم، وأي متمسك به هدف لهم يجوز محوه بكل الصور.

لا يجوز، في عرف هؤلاء أن تتحدث عن معانٍ وطنية، ولا أن تحلم لبلدك وأمتك، ولا أن تكون كائناً متصالحاً مع عالمه يمدّ له يد التعاون ويقيم معه حواراً. لعبتهم التحريم والتحليل وتوزيع صكوك حسب الهوى، لا مبدأ ثابتاً لديهم ولا ولاء إلا لمن يقودهم ويربيهم على «فضيلة» الكفر بالوطن واعتباره مجرد مساحة لجمع الغنائم.

أتاحت التطورات لهذا التيار وسائل يبث بها سمومه ويرقب على مدار الساعة جهود المؤمنين بأوطانهم، المخلصين لأمتهم، المنفتحين على العالم، الذين لا يقنعون بحدود للأحلام التي ترتقي أكثر بشعوبهم. وليس لدى هؤلاء من مسعى للتعتيم على ذلك كله إلا إعادة ترويج البضاعة القديمة واجترار أدبيات تدّعي نصرة قضايا الأمة، بينما هدفها النفاذ منها إلى مساحة جديدة للحضور.

هي معركة مستمرة بين الموت والحياة، ولا شك أن الحياة ستنتصر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mrxca8cs

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"