فراغ كبير في الموسيقى العربيّة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يسمح مفكرونا ومثقفونا باقتحام خلواتهم، التي يعتكفون فيها عاكفين على عظائم الأمور المصيرية في هذه الأمة؟ الطرح في الحقيقة لا يخلو من نشاز، لكونه غير مألوف في الوسط الفنّي، بل إنه ليبدو لا محلّ له من الإعراب في ثقافتنا، حتى تلك النخبوية بامتياز. عادةً، يتطارح الناس النظريات التي تكون لها مجالات تطبيقية وقضايا ماثلة، في غير هذه الحالة يكون عرض المسائل إضاعة وقت.

يقع الذهن في متاهة الاغتراب، حين تقفز أسئلة ماكرة: ما هي الأعمال الموسيقية العربية التي نستطيع أن نطبّق عليها ونستخلص منها ثلاث باقات محترمة من منظومة القيم، في فلسفة الموسيقى، فلسفة الفن وعلم الجمال؟ تجدر الإشارة إلى أن الفيلسوف الإيطالي بينيديتو كروتشه، يرى فلسفة الفن مقدمةً تمهيديةً للفلسفة عموماً، وهذا شيء كبير. لا تنزعجنّ الأوساط الفنية وشركات الإنتاج الموسيقي، إذا قيل لها إننا سنحتاج عندها إلى استعارة عبارة «الإبادة الجماعية» في قوائم الهبوط والاستهتار بمقاييس الإبداع، من بُنى علمية نظرية، وتقنيات وجماليات في الأداء.

العقبة هي أننا حين نفرغ من التصفيات، فلا تبقى إلا الأعمال الموسيقية الجادّة (السنباطي، محمد عبدالوهاب، الرحباني... نموذجاً)، سنجد أننا لا نملك أعمالاً موسيقيةً مستقلةً عن الكلمات. المقطوعات القليلة (الأغاني تحتل 99.99% من الإنتاج الموسيقي)، مثل «حياتي» لمحمد عبدالوهاب، وما إليها، لا تكفي لبناء نظرية عليها، بأيّ شكل من الأشكال. مهمّ أيضاً، أن ندرة النماذج، لا تسمح حتى بتصنيف شكل لها، بمعنى الجنس الموسيقي الذي له صفات معيّنة، كعدد الآلات وعدد الحركات، مثلاً: رباعي عود، قانون، كمان وناي، أو بيانو وفرقة، في ثلاث حركات أو أربع.

تلك الأعمال الجادّة الرفيعة التي تنضوي تحت مظلة الأغنية، ستضطر المتخصصين المعنيين إلى تأسيس فلسفة للموسيقى العربية من الصفر. حينئذ سيكون البحث عن العنقاء سعياً مضنياً، إذْ أخفق تاريخنا في الحفاظ على إنجاب الفلاسفة، ثم إن أساتذة الفلسفة لم تظهر من بينهم فئة لها إلمام بالموسيقى، وكذلك كان المفكرون العرب في التاريخ المعاصر، ولا يزالون. كيف نستطيع بناء فلسفة للموسيقى العربية على فلسفة غربية للموسيقى، فلاسفتها بعضهم موسيقيون، أو خبراء بها مثل نيتشه، روسو، فاغنر، شوبنهاور، هيغل... ولا ننس أفلاطون وأرسطو؟

لزوم ما يلزم: النتيجة المأساوية: موسيقانا من دون فلسفة، لا ترقى إلى التفكير فيها فكريّاً، وتاريخ تصوفنا خالٍ من الموسيقى، فموسيقانا لا ترقى إلى التجليات العرفانية الروحانية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2zhsfsev

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"