اللاّمعقول في الموسيقى العربية

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

كيف يمكن البناء على الطرح أمس: «فراغ كبير في الموسيقى العربيّة»؟ ثمّة مفارقة ساخرة، فالموضوع تأسيس فلسفة للموسيقى العربية، بينما الفلسفة غائبة في الحياة العامّة، وفي الأوساط الثقافية، التي انحدرت من مستوى ثقافة فاعلة، بين العقدين الثاني والسادس الماضيين، وصارت تالياً استعراضيةً ديكورية.

لكن الفراغ الذي نعانيه فراغ سلبيّ. الفراغ الإيجابي المبدع يجب أن يكون له شيء من صفات الفراغ الذي بين نواة الذرّة والإلكترونات الدائرة بعيداً منها. لو لم تكن ذرّات أجسامنا 99,99% منها فراغاً، لأصبح مئة مليون آدمي في حجم حبّة حمّص، معذرة إذا بالغ القلم في التضخيم، ربما كحبّة العدس. لولا فراغات المادّة لصار الكون قطعة واحدة. كما أن السكتات بين الدرجات الصوتية هي التي تصنع الموسيقى والكلام، وإلاّ فالصوت الممتدّ بلا انقطاع مزعج ولا معنى له.

إذا وُجد المثقفُ العارف الذي يتصوّر أن فلسفة الموسيقى ليست ضرورية، فالاستغناء عنها هيّن عنده، لكنّ الأمر مختلف حين يتخيّل من يدّعي الثقافة والعقل، أن الأمم والشعوب ليست في حاجة إلى فلسفة سياسية، اقتصادية، استراتيجية، تربويّة تعليميّة، تنمويّة. عندها يحلو السؤال: ولماذا نستثني الثقافة، فلا نحتاج إلى فلسفة فن، وفلسفة موسيقى؟ هنا، يجب التعريج على المفاجآت المحرجة: كيف حدث أن حاد العالم العربي في العصر الحديث عن الحضارة الإسلامية؟ ألم يكن لدينا فلاسفة انشغلوا بالموسيقى واشتغلوا بها وألّفوا فيها الكتب؟ كيف كانوا يدركون العلاقة العضوية بين الرياضيات والفلسفة والموسيقى، مثل فلاسفة اليونان، منذ ما قبل السقراطيين، أمثال فيثاغورس، ومثل فلاسفة ألمانيا وعلمائها في الرياضيات والفيزياء؟

ليس من السهل من دون فلاسفة بحث موضوع مدوّخ مثل: أسباب ظهور أساطين الموسيقى العربية بين العقدين الثاني والسادس الماضيين، ثم اختفائهم بالجملة، وحدوث الانهيار الرهيب بعدهم، لكن المقاربة التبريرية الميسَّرة، هي أنه لم يكن ممكناً الاستمرار والبقاء من دون نموّ موسيقى جادّة، تُطوّرها البحوث والتحقيقات العلمية، ويحرسها الفكر وتغذيها فلسفة الموسيقى والفن والإحساس بالجمال، حتى لا تنحدر إلى مهاوي انهيار القيم الفنيّة. يندى الجبين حين نتأمل المباحث التي تتناولها فلسفة الموسيقى: الميتافيزيقا، علم الوجود (الأونطولوجيا)، السياسة (دراسة الموسيقى من منظور المصلحة العامة)، الموسيقى في منظار نظرية المعرفة، الأخلاق، المنطق، علم الجمال...

لزوم ما يلزم: النتيجة الاستحالية: لكي يتّضح الطرح، حاول تطبيق المباحث المذكورة على تلال الأغاني في العقود الثلاثة الأخيرة!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/26b3v5z6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"