هناك بديهيات عند الحديث عنها يصبح الكلام كأنه إعادة أو تكرار لا مبرر له. من هذه البديهيات أثر التعليم في الفرد والمجتمعات البشرية، وهو أثر إيجابي وكبير، ولا غرابة أن يكون للمعرفة والتعليم كل هذا الحضور والتأثير، لأنه ينير الطريق، ويمنح الفرص، ويعطي الإنسان أهم احتياجاته وهي المعلومات والطرائق والمهارات للتعامل معها وتطويرها وتسخيرها لخدمته ورفاهه وتقدمه ونموه. لذا من المفيد العودة بين وقت وآخر إلى الحديث عن التعليم، وما يحدثه من تميز وتفرد، سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات.
واحدة من خصال ومميزات وقوة المعرفة، توفيرها للمعلومات وتهيئتها لخدمة الفرد أو المجتمع، أيضاً المساهمة في تطوير المهارات لمواجهة التحديات الحياتية، مثل حل المشكلات وتذليل الصعاب والعقبات، ونحوها. ولا ننسى أن التعليم أسس ورسخ وساهم في نشر وبث وصقل القيم والمبادئ النبيلة، ومن خلاله تأسست القوانين والأنظمة، وتطورت علوم مثل الإدارة والحوكمة وغيرها. وفضلاً عن هذا يعود للمعرفة، التي تحصّل عليها الإنسان من العمليات التعليمية، الفضل في نمو الإنتاجية الاقتصادية وتنوعها، ومعها نمت التنمية وأسواق العمل.
وللتعليم الكلمة العليا في مجالات مثل الطب والتكنولوجيا والعلوم وغيرها كثير، ولا ننسى أنه طور الفنون والأدب وأثرى الثقافة، لكنه أيضاً ميز المجتمعات البشرية عن تلك التي تميزت بالفوضى وعدم التنظيم، وكان واضحاً أن كل مجتمع اختار التطور المعرفي، منذ القدم حتى العصر الراهن، هو الأكثر توهجاً وتقدماً ورفاهاً، عن تلك التي اختارت الحروب والانغلاق وعدم التغير.
والمفارقة الغريبة التي يجب التوقف عندها، أنه مع كل هذا الأثر البالغ والكبير للمعرفة، فإن الحركة التعليمية تواجه عقبات وصعوبات كبيرة، تحد من حضورها ومن تطورها، ومع أنها خير استثمار في المستقبل، وخير ضمانة للتطور والتقدم، فإن هناك مجتمعات تهمل التوجه نحوها، أو أنها اختارت أن تكون الحركة التعليمية محدودة، لذا تجد أن التنمية والنمو الاقتصادي لديها متعثران أو يعانيان صعوبات.
العقول البشرية تتأثر بالمعرفة، وتنمو وتتوسع وتصبح أكثر قوة بالعلم، وما الابتكار والإبداع إلا نتاجات العقل البشري الموهوب المحمل بالأفكار والآمال والمعلومات والمعارف. نحن بحاجة إلى أن نكرر على مسامع أطفالنا القيم المثلى للتعليم، وأثرها المدوي في مستقبلهم، وبحاجة إلى التنبيه بشكل متكرر على أهمية استغلال الإمكانات العظيمة التي هيأتها دولتنا لتكون الحركة التعليمية متوثبة ومزدهرة وأن نغرس في عقولهم الصغيرة أهمية المعرفة والتوجه نحو التعليم.
