من يستجيب لاستغاثات رفح؟

00:32 صباحا
قراءة دقيقتين

تتجه الحرب المدمّرة على قطاع غزة إلى مدينة رفح المكتظة بأكثر من مليون لاجئ فلسطيني، لتلقى مصير مدينتي غزة وخان يونس، ومازالت إسرائيل لا تلقي بالاً للدعوات بوقف إطلاق النار، بعد أن تجاوزت كل الخطوط الحمراء، ودهست أخلاقيات الحرب، ولا تستمع إلى التحذيرات الصريحة من ارتكاب جرائم غير مبررة، وقد جاءت آخر هذه المواقف من الداعم الأكبر لتل أبيب، الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي اقتنع أخيراً بأن الرد العسكري الإسرائيلي تجاوز الحد.

مدينة رفح، التي تقع على الحدود المصرية، أصبحت الملاذ الوحيد في قطاع غزة، وما سواه دمار شامل تتفشى فيه رائحة الموت والأوبئة والمجاعة ومخلفات القنابل والذخائر غير المنفجرة، ومع ذلك يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مدفوعاً بزمرة المتطرفين في حكومته، على تدمير هذا الملاذ، وأعطى أوامره لطيران جيشه ومدفعيته ببدء حملة القصف المكثف، التي راح ضحيتها مئات الضحايا، رغم التنبيهات الصارخة لحدوث مجازر مروعة، إذا اتسعت الحملة العسكرية على غرار ما وقع في شمال قطاع غزة ووسطه.

التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة بتدمير رفح وإعادة تهجير المهجرين إليها، ربما تمتحن مصداقية الموقف العربي والدولي، للمرة الأخيرة، إزاء كل ما حدث وما سيحدث في قطاع غزة، فبعد أكثر من أربعة أشهر من سفك دماء عشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء لم يعد هناك من مبرر للتغاضي ومنح الذرائع لعدوان غاشم على شعب أعزل. ثم أين مجلس الأمن؟ لماذا توارى ولاذ بالصمت، فمنذ أن اجتمع لمناقشة القرارات التي اتخذتها محكمة العدل الدولية، لم يصدر عنه صوت، بينما يفترض أن يجتمع فوراً، ويبني على تصريحات بايدن الأخيرة، ويدفع باتجاه وقف عاجل لهذه الحرب، أم أنه ينتظر حتى تنفذ إسرائيل جريمتها الأخيرة ثم يطلب وقف إطلاق النار بناء على طلب من تل أبيب وليس بإرادة أعضاء المجلس؟!

اجتياح رفح وقتل اللائذين بها سيكون فضيحة للمجتمع الدولي، وسيكون حلفاء إسرائيل الغربيون مصنفين كشركاء في الجريمة؛ لأنهم لم ينتصروا لأبسط المبادئ الإنسانية، ولم يحزموا أمرهم ضد المعتدي ويوقفوا هذه الحرب التي لم تشهد لها البشرية مثيلاً، بالنظر إلى ميزان القوة وجغرافية المعركة، فكانت إبادة شاملة ضد الإنسانية، وهو أقل ما توصف به بعد كل ما شاهده العالم. ومن المؤسف جداً ألا يتجاوز موقف المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الشعور بالقلق من «الصور الآتية من غزة»، من دون تسمية أو إدانة، على عكس ما تفعله هذه المحكمة في أزمات أخرى، عندما تحركت لملاحقة مجرمين لم يرتكبوا واحداً في المئة مما شهدته غزة من مجازر وإبادة جماعية.

لو كان هذا العالم حراً حقاً ولديه أخلاق وقانون دولي وعدالة ومساواة لتوقفت هذه الحرب، ولتمّت محاسبة كل المتجاوزين على الإنسانية، ولكان الأطفال والنساء اللاجئون في رفح الآن آمنين، ولا يخشون أن تداهمهم آلة الموت الإسرائيلية العمياء في كل لحظة، ولما ظلوا يتسوّلون النجاة، كأنهم ليسوا بشراً.

الفلسطينيون القابعون في رفح يستغيثون لإنقاذهم قبل فوات الآوان، والمنقذ هو المجتمع الدولي بأسره إن كان يؤمن فعلاً بأن القانون لا يتجزأ، وأن إسرائيل أجرمت وتجاوزت الحد، ولم يعد للصبر مجال لتحمل مذبحة أخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4fevw8cn

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"