اعتراف تجاوزه الوقت

00:33 صباحا
قراءة دقيقتين

احتاج الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أربعة أشهر ليعترف بأن الرد الإسرائيلي على هجوم حركة حماس المعروف باسم «طوفان الأقصى» قد جاوز الحد.

وهذا اعتراف متأخر بلا شك، ليس فقط بسبب تأخره كل هذه الفترة، وإنما أيضاً بالنظر إلى كل ما جرى للفلسطينيين في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من خسائر مادية وبشرية لا يمكن وصفها بتجاوز الحد فحسب.

الآن يدرك الرئيس الأمريكي ويرى الثمار المُرة، ليس فقط لتهاون إدارته في التعامل مع العنف الإسرائيلي الذي يشهد به العالم، وإنما أيضاً لتشجيعه هو وأبرز معاونيه عليه بداعي حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

هذا الاعتراف الذي يعيد إلى الأذهان ما جرى في العراق وللعراقيين بناء على معلومات أقر الجانب الأمريكي بأنها كانت واهية، لا يمكن التعامل معه بحسبانه صحوة ضمير، فالأمر ليس بهذه البساطة، ولا يمكن التعاطي مع السياسة الأمريكية، والغربية عموماً، بقواعد أخلاقية.

الاعتراف له بواعث عدة منها الضغط الذي تمثله هذه الجولة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على صورة الولايات المتحدة بكل ما فيها من تعرية لانحيازها الجلي لطرف واحد، ما يفقدها متطلبات دور الوسيط النزيه والاعتبارات اللائقة بقوة تقول إنها تقود العالم.

وليس في الأمر تجنٍ؛ فالرئيس الأمريكي نفسه قال في بداية الأزمة إن إسرائيل لو لم تكن موجودة لأقامها الأمريكان، وهو تعبير يؤكد المؤكد عن العلاقة السُرية بين الجانبين التي كانت تتعقل في بعض الأحيان وتحاول التصرف بتوازن يدرك خطورة تفجر الأوضاع في المنطقة. وبعد مجاهرة بايدن بهذا الانحياز، تنافس معاونوه في تأكيده، بل إن أحدهم، وهو وزير الخارجية، اختار أن يلبس الحرب الدائرة لبوساً عقائدياً حين عبر من قلب تل أبيب عن مساندته إسرائبل كيهودي وليس كدبلوماسي بارز.

عموماً، لم تجدِ هذه المساندة والصمت عما يجري للفلسطينيين شيئاً، فلا إسرائيل، رغم كل الدعم الأمريكي، حققت أهدافها، وأهمها القضاء على «حماس» وتحرير الرهائن لديها، ولا ذلك يبدو سهلاً، على الأقل حتى الآن.

يضاف إلى ذلك أن جو بايدن الماضي إلى انتخابات شرسة قد ينافسه فيها مرشح عنيد هو دونالد ترامب وجد نفسه أمام رأي عام أمريكي ضاغط، فاعترافه بتجاوز الرد الإسرائيلي الحد تكرار لما قاله نصف الأمريكيين البالغين في استطلاع رأي مطلع الشهر الجاري.

ذاكرة الرجل المثقوبة لم تحتفظ بصورة واحدة من الفظائع التي عرفتها غزة، ولا بدور أمريكي فيها، ويقول الآن إنه يضغط من أجل وقف إطلاق النار بعد أن أكلت الأخضر واليابس في القطاع، وتهدد تداعياتها المنطقة كلها، ولعله لا يصحو غداً متأسفاً على جرائم «روسيا» في القطاع بعد أن اعتاد على الخلط بين حقائق التاريخ والجغرافيا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4a64a57w

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"