نشأ شغوفاً بأمرين: العزف على البيانو ولعبة الرجبي، وهي لعبة نشأت في إنجلترا في القرن التاسع عشر، قبل أن تنتشر في باقي دول العالم، والرجبي كرة بيضاوية الشكل، مصنوعة من المطاط ومغطاة بالجلد. المقصود هنا هو المايسترو الياباني سيجي أوزاوا، الذي توفي قبل أيام عن 88 عاماً، هو الذي أذهل الجماهير بعروضه على مدار ثلاثة عقود قائداً لأوركسترا بوسطن السيمفونية، وشقّ طريقاً في الموسيقى الكلاسيكية، حيث ربط التقاليد الشرقية بالغرب.
كان يمكن له أن يكون عازف بيانو بارعاً، لكن شغفه بكرة الرجبي رسم له مساراً آخر في الحياة، لا في الرياضة، وإنما في الموسيقى، فقد أدت لعبة الرجبي إلى كسر إصبعي يديه السبابتين، فأصبح متعذراً عليه مواصلة العزف على البيانو كما أحبّ. كيف لمن كسرت سبابتاه أن يواصل العزف على آلة مثل البيانو. يقال إن مدرسته في العزف نصحته مبكراً بالنأي بنفسه عن الرجبي، وتركيز جهده على العزف، لكنه لم يصغ إلى كلامها. أراد الجمع بين شغفين نقيضين.
ولد سيجي أوزاوا في شمال الصين، يوم كانت محتلة من الإمبراطورية اليابانية، ولأن «تلك الأيام نداولها بين الناس» كما تقول الآية القرآنية الكريمة، وجدت عائلته نفسها مضطرة للفرار إلى طوكيو مع اقتراب هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية في عام 1944. كانت طفولة الموسيقار الذي أدهش العالم أقرب إلى الفقر منها إلى الغنى، فرغم أن والده كان طبيب أسنان، لكن لم يكن لديه الكثير من المال، حتى إن الصبي سيجي وجد نفسه يجزّ حديقة معلمه، كي يغطي تكاليف دراسته.
بعد أن أيقن مدرس البيانو أنه بات متعذراً أن يعزف سيجي على البيانو بعد كسر إصبعيه، اقترح عليه أن يحاول قيادة فرقة موسيقية. حثّه على مشاهدة حفله الأوركسترالي الأول – كونشيرتو البيانو رقم 5 لبيتهوفن، وحين فعل أصبح مدمناً عليه، وقرر أن يسير على الخطى التي اقترحها عليه معلمه، ليغدو سيجي أوزاوا الذي عرفته دنيا الموسيقى في العالم كله، لا في بلده، اليابان وحدها، فقد قاد أوركسترا بوسطن السيمفونية من عام 1973 إلى عام 2002، وفاقت تلك الفترة أي فترة أخرى قضاها أي موسيقار آخر في تاريخ الأوركسترا. ثم أصبح مديراً للموسيقى في دار الأوبرا بفيينا نحو عشرة أعوام، حتى سنواته الاخيرة ظلّ يمارس عمله الموسيقي في وطنه الأم.
عندما كان باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة قال لأوزاوا: «لست متأكداً يا سيجي أن مشاركتك في مباراة الرجبي كانت جيدة، لكن لحسن الحظ، بالنسبة لنا أن ذلك فتح الباب لك لتصبح ما أصبحت».