عادي
جماليات إماراتية

محمد يوسف.. البساطة روح الفن

15:27 مساء
قراءة 4 دقائق
عمل للفنان محمد يوسف

الشارقة: عثمان حسن

الدكتور محمد يوسف، اسم راسخ في مسيرة الفن الإماراتي، وهو أحد الرواد الأوائل في هذه المسيرة المتطورة على مستويَي الفن المسرحي والتشكيلي، وفي مجال الفن التشكيلي على وجه الخصوص، يعتبر يوسف من مؤسسي جمعية الإمارات للفنون التشكيلية.. وتعود تجربته في هذا المجال إلى أكثر من أربعين عاماً، طوّر خلالها مفهوماً جديداً للفن ينطلق من البيئة الإماراتية بما فيها من منجز تراثي حرص على إبرازه في كثير من أعماله سواء الفردية أو الجماعية، والتي قدّمت في مختلف المعارض والبيناليات والمهرجانات العربية والدولية المتخصصة.

د. محمد يوسف

برغم حصوله على شهادات عالية في تخصص الفنون، يؤمن د. محمد يوسف بأن روح الفن تكمن في البساطة، حيث تتعانق الطبيعة مع الإنسان، في ارتباط واقعي وفطري، لا يمكن تجاهله برغم سطوة التكنولوجيا والعلوم، وانطلاقاً من هذا الفهم، بدأت معالم التجربة الفنية لمحمد يوسف تسخر جهداً مضاعفاً لإبراز هذه العلاقة، التي اكتشف امتداداتها في البيئة الإماراتية ومفرداتها من أشجار ونخل وأغصان وأخشاب، استثمرها في معظم منحوتاته، التي صارت واحدة من العلامات المميزة لمسيرته التشكيلية.

يرى د. محمد يوسف، أن الكائنات موجودة في الطبيعة على نحو يكمل بعضها بعضاً، وهو حين يودّ استثمارها في منحوتاته يشعر بأنه جزء منها، يتكلم معها، ويرقص معها، ويحس بوجعها وآلامها، ومن هذه المكونات، ثمة ماء، وثمة شجر، وثمة تلقائية وبساطة، تتقاطع مع بساطته وتلقائيته.

ود. محمد يوسف يستثمر تجربته الفنية منطلقاً من إيمانه بالبراءة والفطرة والتلقائية، كما أنه يضع حداً كبيراً بين فهمه للفن وموضوع التشخيص؛ حيث يؤكد بأنه يقوم دائماً بعمل تركيبات، وليس نحتاً مباشراً لأشياء وعناصر الطبيعة والبيئة، التي تخرج في نهاية المطاف، وكما يصفها هو: «على إيقاع الحركة والتوازن والتردد، البعيدة بالمطلق عن فكرة التجسيد».

من هنا، يمكن فهم تعامل د. يوسف مع أشياء ومكونات موجودة في الطبيعة الإماراتية، وهو أنجز أعمالاً موجودة في حديقة بيته بالشارقة، فصمّم تركيبات ثلاثية الأبعاد، بعنوان «من الطبيعة وإليها»، منها أشكال على هيئة «الخيمة»، وعدة أعمال يجمعها مكونات من جذوع النخل والجذور والسيقان التي تتآلف في ما بينها على نحو شاعري يفيض بالحركة والتناغم والإيقاع.

أحد أعماله في هذا المستوى تركيب فني أطلق عليه منحوتة «المرأة والنخلة» وأنجزها في البحرين، وذلك في إطار البرنامج الثقافي والفني لوزارة الثقافة البحرينية للاحتفال بالمنامة عاصمة للثقافة العربية، وهي تتكون من مادة الرخام، وترمز إلى المرأة والنخلة، وهي جزء من سلسلة فنية بينها واحدة بعنوان «البحر والصحراء» وهي عمل تركيبي تتألف مادته من الرمل والعصي والأخشاب، أما الذي يستخدمه في تركيباته فهو لون البحر في تحولاته ما بين الليل والنهار، وفي مده وجزره وصخبه وضجيجه وهدوئه.

  • *نساء وأطفال

في يناير/كانون الثاني الماضي، شارك د. محمد يوسف في فعاليات مهرجان «ضي دبي» الذي أطلقته مدينة إكسبو دبي، والذي اشتمل على معرض يقدم أعمالاً بارزة لنخبة من الفنانين الإماراتيين المعروفين.

تضمنت مشاركة د. محمد يوسف تركيباً فنياً ساحراً تكون من (الخوص)، والخوص هو أوراق النخيل المنسوجة يدوياً، وتستخدم تقليدياً في بناء الأسقف والحصائر؛ إذ يتم جمع سعف النخيل الجاف وتقطيعه وغسله قبيل عملية النسج، وتم تصميم هذا العمل على شاكلة (أطفال ونساء) بأبعاد 15 و20 متراً، فبدا العمل مضاءً، وملوناً على مساحة كبيرة، دمجت بروح فنية وبصرية بين الأصالة والمعاصرة، ومن يدقق في العمل المشار إليه يلحظ تلك البراعة التي استطاع من خلالها د. محمد يوسف أن يجسد الأطفال والنساء باستخدام الخوص المشعّ بالأضواء، وهذا العمل التركيبي جسّد رؤية الفنان ورسالته التي تتكئ على الماضي وتستحضر الراهن المزدهر الذي تعيشه الإمارات، وخاصة مدينة دبي، في إطار سعيها لاكتشاف ملامح المستقبل، ويسجل لهذا العمل تلك اللمسة السحرية التي قدمت لغة بصرية لافتة، وصحيح أنها استندت على ماضي الإمارات، ومفردات النخل والجريد، لكنها أيضاً تشي بالفرادة والتميز، وتطرح رؤية فكرية، يمكن تمعنها والتآلف معها، بالشكل الذي قدّمت فيه، وهو من دون شك، شكل فني معاصر؛ حيث زيّن هذا التركيب بتلك الأضواء التي تخلب النظر في صورة مختلفة عما اعتادت أن تشاهده عين الناظر في العمل التركيبي في صورته الكلاسيكية.

  • *توثيق

في إطار سعيه لتوثيق تجربته الفنية، يحضر د. محمد يوسف لكتاب سيصدر قريباً بعنوان «بوح الروح»، وهو يقدّم سرداً مشوقاً لتجربته الفنية على المستوى المحلي والخليجي والدولي، وفي الكتاب ثمة أحداث وتواريخ ووقائع كانت على صلة مباشرة بما قدّم وأنجز من أعمال ومشاركات فنية، والكتاب قدّم ملمحاً بانورامياً لتطور الحركة التشكيلية في الإمارات.. وهو يرصد لجوانب مختلفة من حياته وتنقله بين فني المسرح والتشكيل، كما يقدّم إضاءات من واقع فهمه لفكرة الفن وتجسيدها على أرض الواقع، وهي تجربة حميمة اختلط بها البوح والفرح والسعادة والتعثر، وكثير من المواقف التي عبرت عن رؤيته للفن، وتلك الأسئلة العميقة التي تغوص في روحه كفنان يحرص دائماً على الأصالة، التي يفتح من خلالها خزائن البوح، وتلك الذكريات العابقة بالشجن والمسكونة بالبساطة والعفوية.

  • *إضاءة

حصل الفنان محمد يوسف على درجة البكالوريوس عام 1978 في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، بالإضافة إلى درجة الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة ويبستر (سانت لويس، الولايات المتحدة)، ودرجة الدكتوراه في التخصص ذاته من جامعة ماناف راشنا الدولية في مدينة فريد آباد الهندية. يعمل محمد يوسف الآن كأستاذ مساعد في كلية الفنون الجميلة والتصميم بجامعة الشارقة، شارك في العديد من المعارض، من بينها مشاركتان في الجناح الوطني الإماراتي في بينالي البندقية (2015-2017)، لغة الصحراء في متحف الفن (بون، ألمانيا، 2005 )، بينالي بنغلاديش (الجائزة الذهبية الأولى، 2014 )، بينالي نيودلهي الخامس، الهند (1982)، وغيرها من المعارض في مدن الإمارات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yeyhmpnk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"