اقتصاد ساخن وسياسة باردة

22:45 مساء
قراءة 4 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي *

اهتمت الدوائر الاستراتيجية والاقتصادية بنتائج مباحثات نادرة بين رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، والرئيس الصيني شي جين بينغ، التي استغرقت ساعة على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (أبيك)، في سان فرانسيسكو في 16 نوفمبر 2023، حيث تعد الصين واليابان، ثاني وثالث أكبر اقتصاد عالمي على التوالي، لاعبين رئيسيين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وفي تلك المباحثات أكد الزعيمان «العلاقة الاستراتيجية» بين البلدين، وتعهدا باستئناف العلاقات والتركيز على المصالح المشتركة، و«ضرورة تحسين» علاقات المنفعة المتبادلة الاستراتيجية وإعطائها معنى جديداً، في أول محادثات مباشرة بينهما منذ عام، ما يشير إلى أن أكبر قوتين اقتصاديتين في آسيا تتطلعان إلى تخفيف التوتر بينهما، وترى دراسات، أن الروابط الاقتصادية المتشابكة بشدة بين البلدين، التي نشأت على مدى العقود القليلة الماضية، هي حجر الأساس للاستقرار في العلاقات الصينية اليابانية، على الرغم من الخلافات التاريخية العميقة الجذور وانعدام الثقة السياسية، ويسمي بعضهم ذلك الوضع بأنه، «سياسة باردة واقتصاد ساخن».

من حيث الاقتصاد الساخن، تغير النطاق الاقتصادي للصين واليابان، ما أدى إلى تغيير توازن القوى العالمي بينهما، على سبيل المثال، كان الناتج المحلي الإجمالي للصين في عام 1978 يمثل 22% فقط من الناتج المحلي الإجمالي لليابان بالدولار، ثم انخفض إلى 11% بحلول عام 1991 في نهاية الحرب الباردة، ومع ذلك، بعد 45 عاماً من التنمية، لم يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي الصيني نظيره الياباني في عام 2010 فحسب، بل أصبح الآن أكبر بنحو 3.5 مرة، ولا يعكس هذا التحول الاتجاهات الاقتصادية العالمية الجديدة فحسب، بل يعكس أيضاً هيكلاً جديداً ومساراً تاريخياً في العلاقات الصينية اليابانية.

إن العلاقات الاقتصادية بين اليابان والصين، بما في ذلك التجارة والاستثمار، وهي وثيقة للغاية في عام 2022، فالصين هي أكبر شريك تجاري لليابان، واليابان هي ثالث أكبر شريك للصين.

وقد بلغ حجم التجارة بين الصين واليابان ثلاثمئة وسبعة وخمسين مليار دولار، بانخفاض 3.7 في المائة عن العام السابق، وتعتبر الصين أكبر سوق تصدير لليابان، وفي العام الماضي انخفضت هذه الصادرات إلى مئة وأربعة وثمانين مليار دولار، لكن صادرات الصين إلى اليابان ارتفعت بنسبة 4 في المئة إلى ما يقرب من مئة وثلاثة وسبعين مليار دولار، وتشمل أهم صادرات اليابان إلى الصين الآلات والمعدات الإلكترونية والمركبات. فيما تشمل صادرات الصين إلى اليابان المعدات الإلكترونية والآلات والمنسوجات، وفقاً لأرقام وزارة المالية اليابانية، بلغ الاستثمار المباشر للبلاد في الصين في عام 2021، 8.05 مليار دولار، بانخفاض سنوي قدره 6.5%.

وفي عام 2019، زار 9.6 مليون سائح صيني اليابان، متجاوزاً عدد السياح من أي بلد آخر، وكانت اليابان من أوائل الدول التي سمحت بجولات جماعية صينية بعد أن خففت الصين قيود «كوفيد-19»، وكان هناك ما يقرب من مئة وأربعة آلاف طالب صيني في اليابان في الربع الرابع من العام الماضي، ويمكن وصف التجارة بين البلدين بأنها تكاملية. ويدرك الجانبان جيداً أهمية التعاون الاقتصادي في العلاقات الصينية اليابانية.

في ديسمبر 2022 صادقت الحكومة اليابانية على ثلاث وثائق أمنية مهمة، تشكل معاً استراتيجية اليابان الشاملة وسياستها وأهدافها الدفاعية، ووصفت تلك الوثائق بأنها «نقطة تحول رئيسية»، في سياسة ما بعد الحرب العالمية الثانية في اليابان، والتي دائماً ما كان الدفاع هو محورها الرئيسي، وتركز دراسات أمريكية على أن التركيز الأكبر في الوثائق الثلاث انصب على كيفية التعامل مع الصين كقوة صاعدة، سواء كان دفاع اليابان عن نفسها في مواجهة الصعود العسكري السريع للصين، أو مقدار القدرة الدفاعية وميزانية الدفاع التي ستحتاجها اليابان لمواجهة الصين.

ولكن الملاحظة الأساسية، أن تلك الوثائق اليابانية الثلاث تجنبت وصف الصين بأنها «تهديد»، حتى في الوثائق المحدثة، ويمكن إرجاع ذلك إلى اعتبارات سياسية داخلية للحزب الليبرالي الحاكم، إلى جانب تأكيد رئيس الوزراء الياباني مراراً وتكراراً على ضرورة «بناء علاقات بناءة ومستقرة مع الصين»، بالإضافة إلى ذلك يشدد مسؤولون يابانيون بأنهم «بحاجة إلى النظر إلى الصين من وجهات نظر متعددة»، وأنه، «بينما يجب على اليابان تطوير قدراتها الدفاعية من خلال مراقبة الأهداف الوطنية والاتجاهات والقدرات العسكرية للصين عن كثب، فإن بكين تظل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لذلك فاليابان بحاجة إلى تشجيعهم على الانخراط بقوة في الإطار الدولي.. فعند النظر في جوانب مختلفة مثل الجوانب العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، ليس من الجيد ببساطة استخدام كلمة تهديد تجاه الصين».

وكان التجنب الياباني وصف الصين بأنها «تهديد» موضع انتقاد دراسات أمريكية التي رأت، «أن الازدواجية، مثل اعتبار بلد آخر أنه «تهديد» أو «ليس تهديداً» (على غرار الولايات المتحدة في وصفها للصين)، قد تؤدي إلى إثارة المواجهة وعدم الاستقرار، خصوصاً عندما تتشابك مع القضايا الإقليمية والتاريخية، وقد تدفع إلى زيادة القومية والوطنية في كل بلد وفقدان ضبط النفس، لكن من ناحية أخرى، فإن المواقف الغامضة (على غرار سياسة اليابان في التعامل مع الصين)، قد تضعف الردع ضد البلدان الأخرى وقد يزيد من مخاطر الصراع، كما يمكن أن تؤدي الإستراتيجية الغامضة إلى سوء فهم وصراعات غير متوقعة ما قد يتسبب في مواقف خطيرة».

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3ykaz2w4

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"