يتحدث عدد من المختصين والدارسين في مجال العلوم النفسية والطب النفسي عن تزايد في معاناة البعض من الأعراض النفسية، وهناك دراسات وبحوث أرجعت ذلك إلى التغييرات السريعة في المجتمعات، وهي تغييرات اجتماعية واقتصادية، معها تبدلت مفاهيم الناس أو اهتماماتهم. وساهم في مثل هذه التغيرات التطور التكنولوجي، وما يعرف بالعولمة، وتقدم الإنترنت وثورة الاتصالات، وهي عوامل ساهمت في تنامي الأعمال والمهام الحياتية، وهذا بدوره انعكس على الأفراد، ما سبب لهم ضغوطاً أدت للإصابة بالأمراض النفسية، ولا ننسى مواقع التواصل الاجتماعي، والتطبيقات المختلفة التي باتت جزءاً من حياة الكثير من الناس، وظهور ما يسمى بالعزلة الاجتماعية، وتنامي مشاعر الوحدة، لأن الأفراد يقضون ساعات طويلة في هذه المواقع، وهذا على حساب علاقاتهم وصلاتهم الاجتماعية مع الآخرين.
ومن أهم تلك الأمراض انتشاراً، الاكتئاب الذي يتميز بمشاعر الحزن والشعور بالضيق واليأس، أو حتى فقدان الاهتمام بالحياة، ولا ننسى القلق الذي ينتشر بشكل واسع، وهو شعور بالخوف والتوتر، وفي بعض الأحيان يكون منخفضاً، وفي أحيان أخرى يكون مرتفعاً. ولا ننسى اضطرابات الشخصية، التي تتميز بسلوكيات خاطئة، وأيضاً الوسواس القهري، الذي هو عبارة عن أفكار مزعجة ومتكررة لا يستطيع الفرد السيطرة عليها. وهناك عوارض وأمراض نفسية أخرى، في مجملها قد تسبب مشاكل وتبعات أخرى، مثل الإصابة بالأمراض الجسدية، كالقلب أو السكري، أو ارتفاع ضغط الدم ونحوها.
وعلى المستوى الاجتماعي، قد يجد من يعاني من أي عارض نفسي صعوبات في مقر عمله أو في مدرسته، أو في علاقاته مع المقربين منه أو الأصدقاء، أو مع مجتمعه بصفة عامة. والحقيقة أن الأمراض النفسية تقع بشكل خفيف وسرعان ما تتطور، وهي تؤثر في السعادة وجودة الحياة، وتجلب الهموم والآلام، وتحتاج فعلاً للعلاج والاستشارة الطبية.
ولعل من متطلبات الحياة المعاصرة الحديثة التنبه لمثل هذه الأعراض النفسية ببرامج توعية وتنمية معرفة الناس، لتزيد من وعيهم، بالعوامل والأسباب، التي تسبب مثل هذه الإصابات النفسية، وطرق الحماية منها، وأيضاً توفر العيادات النفسية والمتخصصة التي تقدم العلاج النفسي والدوائي. ولا ننسى أن تزايد الإصابة بالعوارض والأمراض النفسية ذو فاتورة مكلفة، والوقاية والحماية بالتوعية والإرشاد وتنمية المعرفة، أقل تكلفة لأن المرض النفسي يقلل من عجلة الإنتاج ويخفض من جودة العمل، وأعراض مثل القلق والاكتئاب، على سبيل المثال، مكلفة في الدورة الاقتصادية.
