وساطة تحتاج إلى وساطة

00:37 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

من مفارقات الخريطة العربية أن ليبيا المبتلاة بالانقسام منذ سنوات تحاول التوسط في أزمة السودان الملقى في نيران الحرب الداخلية منذ شهور.

وليس هناك ما يعيب في أي سعي لأي طرف عربي للإصلاح بين الفرقاء في أي قُطر شقيق، لكن المفارقة متأتية من أن الأزمة الليبية تستعصي، حتى الآن، على كل التدخلات الأممية والإقليمية الرامية إلى جمع أرجاء البلد وساسته على كلمة سواء تنهي سنوات من الخسائر الإنسانية والمادية، والتمزق، وتعدد التبعيات، ما حرم الليبيين من الاستقرار.

والتحرك الليبي بشأن السودان ليس جديداً على أي حال، فالحقيقة أن البلدين الجارين يتبادلان منذ سنوات موقع الوسيط في أزمتيهما الطاحنتين، ففي إبريل/ نيسان الماضي، أبدت نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية الليبية حينئذ، في اتصال هاتفي مع نظيرها السوداني علي الصادق علي، استعداد بلادها للتوسط بين أطراف الصراع في السودان من أجل استئناف العملية السياسية. وأكدت المنقوش استعداد بلادها للعب دور الوساطة في السودان، وضرورة الاستجابة للنداءات التي تطالب بوقف المعارك فوراً وتغليب لغة الحوار بين الأشقاء. وعبرت المنقوش خلال الاتصال عن تضامن بلادها الكامل مع الشعب السوداني الشقيق واستعداد ليبيا لدفع الأطراف السودانية إلى الاستجابة لدعوات السلام واستئناف العملية السياسية، لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية للسودان.

في الشهر نفسه، نفى الجيش الوطني الليبي انحيازه لأي طرف في الأزمة السودانية، وأعلن استعداده للقيام بدور الوساطة لوقف القتال فوراً وفتح المجال للحوار بالطرق السلمية، مشدداً على أهمية توفير الظروف المناسبة للتهدئة وتغليب المصلحة الوطنية العليا.

قبل ذلك بعشر سنوات، زار علي أحمد كرتي، وزير الخارجية السوداني وقتها، ليبيا يرافقه وفد حكومي في محاولة للقيام بوساطة بين أطراف النزاع وتحقيق المصالحة لتجنيب شعبها مآسي القتال والعنف.

كان ذلك أيضاً سعياً سودانياً مشكوراً يتوخى مصلحة بلد جارٍ وشقيق ويدرك أن الصراع الداخلي فيه إذا طال أمده سينسحب بالضرورة على محيطه.

ودارت الأيام دورتها وأصبح السودان في قلب مأساة مشابهة، وربما أقسى في تداعياتها، خاصة أن اللغة الحاكمة بين طرفيها الرئيسيين حتى الآن هي السلاح الذي ألقى بالملايين في دائرة القتل والمرض والنزوح واللجوء والتشرد.. والجوع. وربما تكون ليبيا، رغم كل ما فيها، أفضل حالاً من السودان، في ما يخص الشعب، فالسلاح في الأولى صامت بعد مواجهات طويلة، ولكن الجغرافيا تمزقت ونبتت فيها صيغ متنوعة لكل مؤسسة.

المؤكد أن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، الذي لبّى دعوة لزيارة طرابلس سمع كلاماً عن أهمية إنهاء الحرب وتغليب مصلحة السودان، وطناً وشعباً. وإذا زار محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، العاصمة الليبية تلبية لدعوة مماثلة سيسمع الخطاب ذاته.

والمؤسف أن لا شيء سيتغير في ليبيا أو السودان، وربما يستقبلان خلال الأيام المقبلة وسيطاً ثالثاً يكرر على مسؤولي البلدين النصائح نفسها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3f4ps4am

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"