بانتظار التعافي

01:21 صباحا
قراءة 4 دقائق

بعد فورة تفاؤل بتعافي الاقتصاد العالمي من الركود العميق الحالي نتيجة بعض المؤشرات الايجابية في اقتصادات رئيسية، عاد العالم إلى الحذر والحيطة وتراجعت إلى حد كبير شهية المستثمرين .

ولعل تلك افضل فترة لمن يريد أن يؤسس لعمل أو يبدأ مشروعا، فاذا كانت الحكمة الاقتصادية التقليدية أن فترة الركود هي الأنسب للبدء بمشروع (كي يتفادى عبء تكلفة التأسيس والانطلاق وحين يأتي التعافي في نهاية الركود تكون الفوائد أكبر) فإن هذه المرحلة من الركود الاقتصادي العالمي هي الأنسب .

كانت أرقام الناتج الصناعي الذي توقف عن الهبوط في اليابان وبعض اشارات على قرب استقرار سوق العقار البريطاني ومعلومات اسبوعية وشهرية امريكية، جعلت الاسواق تشتعل حماسة بأن الأسوأ في الركود الاقتصادي العالمي انتهى وان التعافي قاب قوسين أو أدنى . إلا أن صيحات الحيطة انطلقت من أكثر من صوب، من محللين واقتصاديين ومسؤولين رسميين .

وان اجمعت الاغلبية على ان الاقتصاد العالمي سيبدأ بالتعافي في وقت ما من العام المقبل، إلا أن الرؤى والتحليلات تباينت بشأن عمق الازمة الحالية ومن ثم ان كان الاسوأ منها قد مضى أم أن هناك حفراً أخرى بانتظار الاقتصاد العالمي .

ولعله بين السيناريو الاسوأ والسيناريو المتفائل يمكن اعتبار تقديرات البنك الدولي في حال وسط إلى حد ما، مع التأكيد على أن تلك تقديرات وتوقعات خاضعة للمراجعة والتعديل بالزيادة أو الخفض ربما بشكل شهري . وفي احدث تقاريره التي اصدرها، حذر البنك من التعجل بالتيقن من الاقتصاد العالمي في حال جيدة . وخفض البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي ومعظم الاقتصادات الرئيسية للعام الجاري، متوقعا في تقريره مزيدا من تباطؤ النمو في اقتصادات الدول الرئيسية . وقدر نمو اقتصادات الدول الصاعدة بنسبة 2 .1 في المائة فقط هذا العام، مقابل 9 .5 في المائة العام الماضي و1 .8 في المائة عام ،2007 وكان البنك اعلن من قبل خفض توقعاته للاقتصاد العالمي متوقعا نسبة انكماش عند 9 .2 في المائة، وذلك بدلا من توقعاته في مارس/ آذار بنمو سلبي 7 .1 في المائة للعام الجاري .

وقال البنك ان مستقبل الاقتصاد العالمي يظل محل شك كبير رغم بعض اشارات التحسن مؤخرا، مطالبا الحكومات باليقظة وتحديد طريقة للحد من السياسة النقدية والمالية التوسعية ما ان يبدأ الاقتصاد بالتحسن . وهو ما كرره رئيس المركزي الأوروبي (الذي يحدد السياسة النقدية لدول اليورو) جان كلود تريشيه مشددا على خطط التحفيز، أي أموال الانقاذ الاقتصادي التي تضخها الحكومات في الاسواق، الحالية تكفي وأكثر . والخوف هنا من اتساع الدين العام للحكومات بشكل يعني خللا في المالية العامة للحكومات يصعب اصلاحه .

وفي توقعاته للدول والمناطق، خفض البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الامريكي من انكماش بنسبة 4 .2 في المائة إلى انكماش بنسبة 3 في المائة للعام الجاري . ويتفق ذلك مع تقديرات مستقلة حول نسبة انكماش الاقتصاد البريطاني . اذ كان وزير الخزانة البريطاني قال في تقرير الميزانية أمام البرلمان ان الاقتصاد سينكمش بنسبة 5 .3 في المائة هذا العام قبل ان ينمو بنسبة 25 .1 في المائة في العام المقبل . لكن اتحاد الصناعات البريطانية قال ان الاقتصاد البريطاني سينكمش بنسبة 9 .3 في المائة هذا العام قبل ان يعاود النمو بنسبة 7 .0 في المائة العام المقبل .

وبالنسبة لليابان، توقع التقرير تراجع اقتصادها بنسبة نمو سلبي 8 .6 في المائة مقابل توقعات سابقة بانكماش 3 .5 في المائة . وبالنسبة لاوروبا خفض البنك توقعات النمو من سالب 7 .2 في المائة إلى سالب 5 .4 في المائة . وكان اكبر تخفيض لتوقعات النمو من نصيب الاقتصاد الروسي الذي عدل البنك نسبة النمو السلبي المحتملة له من 5 .4 في المائة إلى 5 .7 في المائة .

ومن بين الاقتصادات الرئيسية والصاعدة توقع البنك الدولي نموا افضل لاقتصادي الهند والصين .

وعدل البنك توقعاته لنمو الاقتصادي الصيني بالارتفاع من نسبة 5 .6 في المائة إلى 2 .7 في المائة .

اما الهند فتوقع ان ينمو اقتصادها ايجابا بنسبة 1 .5 في المائة مقابل توقعات سابقة بنمو بنسبة 4 في المائة للعام الجاري .

وتعد معظم اقتصادات المنطقة العربية ضمن الشريحة الجيدة في توقعات البنك الدولي، اذ ان نسب النمو في اغلبها ليست سلبية تماما .

واذا قورنت تلك التوقعات بتوقعات مؤسسات اخرى وتوقعات الحكومات، يمكن القول إن عمق الازمة الاقتصادية لم يتضح بعد . ومعنى ذلك ببساطة اننا لم نصل بعد لذلك العمق، ولن ندرك ذلك قبل ان يبدأ الاستقرار والتعافي .

وان كان من يرون اننا وصلنا بالفعل للاسوأ وليس هناك الا التعافي يقدرون ان الاقتصاد العالمي في طور استقرار قبل التعافي، فان ذلك الاستقرار لا يزال محل شك من عدد معقول من الاقتصاديين والمحللين .

وعلى الارجح ان الاقتصاد العالمي يقترب من الاستقرار، ان لم يكن قد استقر فعلا . ويجعل ذلك المطروح هو متى يبدأ التعافي، لكن المفيد انها أياً كانت فهي مدة زمنية مثالية لمن يريد ان يستفيد من الركود والانكماش .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"