عادي
نحن والآخر

الكرامة الإنسانية.. تكريم للبشر بلا تمييز

23:36 مساء
قراءة 4 دقائق
الكرامة الإنسانية.. تكريم للبشر بلا تمييز

الإنسان هو ذلك المخلوق الذي كرَّمه الله سبحانه وتعالى، وفضَّله على سائر مخلوقاته، وأنزل في حقه قرآنًا يُتْلَى، آناء الليل وأطراف النهار، وجعل له من الحقوق ما لم تعرفه دساتير الأرض كلها، قال الله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» الإسراء: 70. وجاء هذا التكريم للإنسان في دستور الإسلام القرآن الكريم، دون تمييز لجنس أو لون أو عِرق؛ فالناس جميعًا هم صُنع الله «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» السجدة: 7.

إمعاناً في تكريم الإنسان، سخَّر الله له كل الكائنات، وأمر ملائكته بالسجود له، وجعله خليفة له في الأرض، قال تعالى: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» البقرة: 30، وقال عزَّ وجلَّ: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ» البقرة: 34.

كما خاطبَ الله سبحانه وتعالى الإنسان بمفردات عامة، لم تختص جنساً أو عِرقًا أو لوناً، فقال: «يا أيها الإنسان»، كما في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ» الانفطار: 6-8، وخاطبه بقوله: «يا بني آدم»، كما في قوله تعالى: «يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» الأعراف: 35، كما خاطبه سبحانه بقوله: «يا أيها الناس»، كما في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» النساء: 1.

وحول التكريم الإلهي للإنسان، يقول د.محمد عبد الله دراز، في كتابه: «نظرات في الإسلام»، تحت عنوان «الإسلام وكرامة الفرد»: «هل عرف الفرد الإنساني ما له في دستور الإسلام من مَنزِل عزيز كريم؟ إن الكرامة التي يقررها الإسلام للشخصية الإنسانية ليست كرامة مفردة، ولكنها كرامة مثلثة: كرامة هي عصمة وحماية، وكرامة هي عزة وسيادة، وكرامة هي استحقاق وجدارة». ويضيف أن «أوسع هذه الكرامات وأعمها وأقدمها وأدومها، تلك الكرامة الأولى التي ينالها الفرد منذ ولادته، بل منذ تكوينه جنيناً في بطن أمه.. كرامة لم يؤد لها ثمناً ماديّاً ولا معنويًّا، ولكنها منحة من السماء.. ثم يتساءل: ما حقيقة تلك الكرامة؟ «ويجيب:«إنها قبل كل شيء سياج من الصيانة والحصانة، هي ظلّ ظليل ينشره قانون الإسلام على كل فرد من البشر: ذكراً أو أنثى، أبيضَ أو أسود، ضعيفاً أو قويّاً، فقيراً أو غنيّاً، من أي مِلّة أو نِحلة فُرِضتْ».

ويؤكد د. دراز أن هذه الكرامة التي كرّم اللّه بها الإنسانية في كل فرد من أفرادها، هي الأساس الذي تقوم عليه العلاقات بين بني آدم.

سماحة

إن الإسلام برسالته السمحاء وقرآنه العظيم يحافظ على النفس البشرية، دون تفرقة بين نَفْس ونَفْس، فيحرِّم قتلها، بل إن مَنْ يُقدِم على قتل نَفْس واحدة فكأنما قتل الناس جميعاً، يقول الله تعالى: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» المائدة: 32.

ويظهر حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تكريم النفس الإنسانية، فيما أورده الإمام البخاري، في صحيحه باب «مَنْ قام لجنازة يهودي»، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: مرت بنا جنازة، فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم، فقمنا معه، فقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي! قال:«إذا رأيتم الجنازة فقوموا». وفي رواية أخرى، قال:«أليست نفساً»؟

إن القرآن الكريم، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، بهما من النصوص ما يؤكد أن الكرامة الإنسانية «خط أحمر»، وفوق كل اعتبار؛ انطلاقاً من أن البشر جميعاً لأب واحد وأم واحدة، ومن ذلك قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً» النساء: 1، وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» الحجرات: 13.

ومن ذلك أيضاً ما جاء في خطبة الوداع:«أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أبيض ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى».

وانطلاقاً من هذه المبادئ السامية، كان الإيمان بكل الرسل والأنبياء السابقين، وبما أُنزِل عليهم من كُتُب سماوية، أمراً ضروريّاً وشرطاً لازماً لسلامة الاعتقاد لكل مسلم يؤمن بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً، مما يؤكد، دون أدنى شك، أن الإسلام يعترف بالآخر، ويُقِرُّ بحقه، ويحرص على كرامته الإنسانية، يقول الله تعالى: «قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» البقرة: 136، ويقول تعالى: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ» البقرة: 285.

إن الإسلام الذي فرض على مُعتنقيه الإيمان بالرسل والأنبياء جميعاً وبما أُنزِل عليهم، هو نفسه الإسلام الذي حفظ للإنسان كرامته، وكفل له حقوقه في دستور إلهي «لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» فصلت: 42. يقول الشيخ محمد الغزالي، في كتابه «حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة»:«إن حقوق الإنسان في الإسلام ليست منحة من ملك أو حاكم، أو قرار صادر عن سلطة محلية أو منظمة دولية، وإنما هي حقوق مُلزِمة بحكم مصدرها الإلهي، لا تقبل الحذف أو النسخ ولا التعطيل، ولا يُسمح بالاعتداء عليها، ولا يجوز التنازل عنها».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrxh66s4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"