عادي

كتاب «العين».. أول معجم للغة العربية

23:56 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ

يُعد مؤلف معجم العين الخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي ولد وتوفي في البصرة ما بين 718م – 786م، واحداً من أهم علماء وأئمة اللغة والأدب العربيين، وقد بدأ تعلم الثقافة الإسلامية وعلم اللغة على يد أبي عمرو بن العلاء وعبدالله بن أبي إسحاق الحضرمي وعيسى بن عمر الثقفي، عاش الفراهيدي حياته دارساً ومدرساً للغويات، ووصف ب«النجم الساطع» لمدرسة نحاة البصرة، ومن نظرياته أن اللغة العربية هي عادات التحدث الفطرية الطبيعية للبدو، وهو من وضع نظام علامات التشكيل في النص العربي، إذ كانت التشكيلات على هيئة نقاط، كما كان ضليعاً في علوم الشريعة الإسلامية والفلك والرياضيات والموسيقى التي قادته إلى وضع علم العروض.

عكف الفراهيدي على دراسة الإيقاع في أشعار العرب، وقام بترتيبها حسب أنغامها، ووضع كل مجموعة متشابهة معاً، فتمكن من ضبط أوزان خمسة عشر بحراً، هي: الطويل والمديد والبسيط والوافر والكامل والهزج والرجز والرمل والسريع والمنسرح والخفيف والمضارع والمقتضب والمتقارب والمجتث، ليكملها تلميذه الأخفش بوضع بحر المتدارك، وقد أثَّرت نظرياته في تطور العروض بالفارسية والتركية والأردية وغيرها.

تتلمذ عليه الكثير من علماء اللغة العربية، مثل: سيبويه والأصمعي والكسائي وهارون بن موسى النحوي، ووهب بن جرير، وخلف العديد من المؤلفات أهمها: معجم العين، وكتاب التعمية الذي يُعد أول كتاب عن علم التشفير وتحليل الشفرات «Cryptography»، بالإضافة إلى كتاب النغم وكتاب العروض الذي استخرج فيه بحور الشعر بأوزانها، وكتاب الشواهد، وكتاب النقط والشكل، وكتاب الإيقاع، وكتاب معاني الحروف.

أساس علمي

يعتبر معجم «العين» للخليل بن أحمد الفراهيدي أول معجم عربي يؤلف في اللغة العربية، حيث اطّلع مؤلفه على الرسائل اللغوية التي سبقته، فلاحظ أنها لا تَعتمد على أساس علمي منهجي في جمع اللغة، وأنها لا تخلو من التكرار، ولا يمكن أن تجمع كل الألفاظ عن طريقها، كما رأى أنها لا تفي بحاجة الباحثين، وأن التدوين على هذا النحو لا يحقق الهدف المنشود من وضعها، المتمثل أساساً في حفظ اللغة من الضياع، نظراً لكونها غير مستوعبة ولا شاملة، فارتأى أن يعتمد منهجاً يمكنه من تحقيق غرضه، فتوصل إلى منهج التقليبات الصوتية، وعليه كان معجمه «العين».

إن هذا المعجم لم يؤلف لغرض تسجيل لغة البداوة فحسب، ولكنه ألف ليسجل التطور الحاصل في اللغة بالاختلاط الاجتماعي وتبدل البيئة وظهور المستجدات التي اقتضت ظهور ألفاظ جديدة بالاشتقاق وغيره، كما أنه لم يترك اللغة البدوية سائبة غير منسوبة، لأن بعض الألفاظ كانت ألفاظاً خاصة بقبيلة ما، فراعى ذلك وسجل هذه الألفاظ التي كانت نواة في كل المعاجم التي ظهرت بعده وساعدت أهل التفسير على الانتباه إلى ذلك في النص القرآني، إضافة إلى ملاحظة القراءات المختلفة لبعض الآيات كما وردت في مصاحف الصحابة وفي الروايات المختلفة، كل ذلك جعل من هذا المعجم كتاباً حافلاً بالمعلومات الصوتية والصرفية والنحوية والتأصيلية: أصالة ودخيلاً ومعرباً، واللهجات واللغات، والسماع والقياس، والفروقات اللغوية بين المدن والأمصار والأقطار، إلى جانب ثروته الاستشهادية من النثر والشعر، والقرآن والحديث، والأمثال والحكم.

حاول الفراهيدي في البداية جمع ألفاظ اللغة العربية عن طريق متابعة الحروف الأبجدية، إلا أن ذلك لم يتيسر له، حيث أوضح في مقدمة كتابه «العين» أن الحروف الأبجدية لم تسعفه في ذلك، لأنّه وجد أن الألف لا استقرار لها، فعدل عنها، ولَمَّا لم يبدأ بالحرف الأول، كره البدء بما يليه، وهو الباء، فاتجه اتجاهاً آخر يحقّق هدفه من خلاله، فجمع الألفاظ حسب مخارجها، مراعياً في ذلك الناحية الصوتيّة، فبدأ بالحروف الحلقيّة، وثنّى باللسانية، وثلّث بالشفوية، وختم بالجوفية، وعندما تناول أول المخارج من الداخل، أو أبعدها من الخارج، رأى أن العين أوّل حروف الحلق قوّة، فكان ذلك السرّ في اختياره اسم «العين» لمعجمه.

واعتمد ثلاثة أسس لترتيب المعجم، أولها وعمادها مخارج الحروف، وثانيها هو تقسيمه إلى كتبٍ وجعْل كلِّ حرفٍ كتاباً، ثمّ تقسيم كل كتابٍ (حرفٍ) إلى أقسامٍ بحسب أبنية الكلمات، أما الأساس الثالث فهو تقليب الكلمات التي ذكرها تحت كلّ بناء على الصور المستعملة عند العرب.

تحقيق وطباعة

كان العثور على هذا المعجم في العصر الحديث عن طريق الدكتور عبدالله درويش، الذي كان يُعد أطروحته للدكتوراه، فعثر على نسخة في بغداد نُقلت صورتها إليه في لندن على «مايكروفيلم»، ثم عثر على نسخة ثانية في ألمانيا بجامعة توبنجن، وهي منقولة عن نسخة بالكاظمية، ثم سافر من القاهرة إلى بغداد سنة 1959م للحصول على نسخة الكاظمية لأنها أقدم تاريخاً، ليحقق الجزء الأول من الكتاب الذي طبع في بغداد سنة 1967م، وظلّ باقي الكتاب مخطوطاً إلى أنْ حقّقه كله الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرّائي، وظهر في ثمانية أجزاء ما بين 1980م و1985م، حيث نشرته وزارة الثقافة والإعلام بالجمهورية العراقية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3jc4upv5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"