«شويهة» أشبعت أهل الخندق
عن جابر بن عبدالله قال: «عملنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق، وكانت عندي شويهة (شاة صغيرة) غير سمينة، فقلت: والله لو صنعت هذه الشاة لرسول الله، فأمرت امرأتي، فطحنت شيئاً من شعير، فصنعت منه خبزاً، وذبحت الشاة فشويتها، فلما أمسينا وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصراف، قلت: يا رسول الله، إني صنعت لك شويهة وشيئاً من خبز الشعير وأحب أن تنصرف معي إلى منزلي - وإنما أريد أن ينصرف معي رسول الله وحده - فلما قلت له ذلك قال: «نعم»، ثم أمر بصارخ فصرخ: «انصرفوا إلى بيت جابر» فقلت: «إنا لله وإنا راجعون»، فأقبل رسول الله والناس معه فأخرجتها إليه، فسمى ثم أكل، وتواردها الناس، كلما فرغ قوم قاموا وجاء قوم، حتى صدر أهل الخندق عنها، كل ذلك ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من أجل درهمين
قابل رجل التابعي الجليل محمد بن سيرين، وادعى كذباً أن له في ذمته درهمين، وطلب منه أن يعطيه إياهما، فرفض ابن سيرين طلبه، ونفى أن يكون مديناً له بدرهمين، فقال له الرجل: أتحلف على ذلك؟ وهو يظن أن ابن سيرين بمكانته الرفيعة لن يحلف من أجل درهمين، ولكنه فوجئ بموافقة ابن سيرين على الحلف، وحلف له، فقال له الناس: أتحلف يا أبا بكر من أجل درهمين وأنت الذي تركت أمس أربعين ألف درهم في شيء رابك (أي: شككت فيه) فقال: نعم أحلف، فإني لا أريد أن أطعمه حراماً وأنا أعلم أنه حرام.
«أتغفو قبل رد المظالم؟»
بعد أن فرغ عمر بن عبدالعزيز من دفن سلفه سليمان بن عبدالملك دخل المسجد، ولما اكتملت جموع المصلين قام فيهم خطيباً، ثم اتجه إلى بيته وهو يشعر بتعب شديد، ودخل إلى مضجعه لينال قسطاً من الراحة، ولم يكد يغمض عينيه حتى دخل عليه ابنه عبدالملك، وكان حينئذٍ على مشارف السابعة عشرة من عمره وقال له: ماذا تريد أن تصنع يا أمير المؤمنين؟ فقال: أي بني، أريد أن أغفو قليلاً فلم تبق في جسدي طاقة، فقال: أتغفو قبل أن ترد المظالم إلى أهلها؟ فقال: أي بني، إني قد سهرت البارحة في عمك سليمان، وإني إذا حان الظهر صليت في الناس ورددت المظالم إلى أهلها إن شاء الله، فقال: ومن لك (١) بأن تعيش إلى الظهر؟ وأرجعت هذه الكلمات عزيمة عمر إلى أوج قوتها، فقال: ادنُ مني يا بني، فدنا منه، فضمه وقبّله وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني، ثم قام وأمر بأن ينادي في الناس: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها.
