عادي

فقه اللغة.. العربية ابنة الحياة

23:01 مساء
قراءة 4 دقائق
الشارقة: جاكاتي الشيخ
«فقه اللغة وسر العربية» هو أشهر كتب العالم أبي منصور الثعالبي بعد كتابه «يتيمة الدهر»، والثعالبي هو عبد الملك بن محمد بن إسماعيل (350هـ - 429هـ / 961 - 1038م)، لقب بالثعالبي لأن والده كان مؤدباً للصبيان، وفرَّاءً يخيط جلود الثعالب، حيث كانت من حرف المؤدِّبين في الكتاتيب. أبو منصور الثعالبي أديب وعالم لغوي عاش في نيسابور، وبرع في علوم اللغة العربية، وتميَّز في الإحاطة بكلماتها ومصطلحاتها وتبيان معانيها، وقد نشأ في جوار الأمير أبي الفضل الميكالي، وفي ظل الوزير سهل بن المرزبان، حيث ربطت بينهم صداقة ومودة قوية، كشف عن بعضها في شعره.
لشدة قدرته على الحفظ، عرف بحافظ نيسابور، وامتلك من البيان ما قلَّ نظره فيه، فلقب بجاحظ زمانه، وكان في نيسابور حجَّة وثقة فيما يروي؛ مُتمكناً من علومه، فسار ذكره في كل مكان، حتى قصده طلاب العلم من مختلف البلدان.
وقد قيل الكثير في علمه وفضله، حيث قال الباخرزي، الذي نشأ وتعلّم على يديه: «هو جاحظ نيسابور، وزبدة الأحقاب والدهور، لم تر العيون مثله، ولا أنكرت الأعيان فضله، وكيف ينكر وهو المزن يحمد بكل لسان، وكيف يستر وهو الشمس لا تخفى بكل مكان»، وقال عنه ابن الأنباري في نزهة الألباب: «وأما أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي فإنه كان أديباً فاضلاً، فصيحاً بليغاً»، وقال عنه إبراهيم الحصري في كتابه زهر الآداب: «وأبو منصور هذا يعيش إلى وقتنا هذا، وهو فريد دهره، وقريع عصره، ونسيج وحده، وله مصنفات في العلم والأدب، تشهد له بأعلى الرتب».
80 مؤلفاً
قضى الثعالبي نحبه في الثمانين من عمره، تاركاً ما يربو على ثمانين مؤلفاً، ورغم كل ذلك كان يرى أنه عاش مهضوماً، يشكو مع العوز جوراً وظلماً، حيث يقول:
ثلاث قد مُنيت بهن أضحت
لنار القلب مني كالأثافي
ديون أنقضت ظهري وجور
من الأيام شاب له غُدافي
ومقدار الكفاف وأي عيش
لمن يُمنى بفقدان الكفافِ
كتاب «فقه اللغة وسر العربية»، للثعالبي، هو أحد أفضل كتب اللغة العربية، وأمتعها وأعظمها فائدة، فهو يجعل القارئ يشعر بجمال هذه اللغة وكثرة مفرداتها، وإحاطتها بكل ما في الحياة، وسهولة تعلّمها وفهمها، وقد ألفه الثعالبي نزولاً عند رغبة صديقه الأمير أبي الفضل الميكاليّ النيسابوري، الذي طلب منه أن يؤلِّف له كتاباً في «فقه اللغة»، وهو الذي اختار له ذلك الاسم، واقترح عليه طريقة تبويبه، فسارع الثعالبي إلى تأليفه، ثمّ أكمَلَه بجزء آخر سمّاه «سرّ العربية»، فصارا كتاباً واحداً، باسم «فقه اللغة وسرّ العربية»، حيث يقول الثعالبي في مقدمته عن اللغة العربية: «... قيَّض (الله) لها حَفَظَة وخزنة من خواصِّه، من خيار الناس، وأعيان الفضل، وأنجم الأرض، تركوا في خدمتها الشهوات وجابوا الفلوات، ونادموا لاقتنائها الدفاتر، وسامروا القماطر والمحابر، وكدّوا في حصر لغاتها... وكلما بدأت معارفها تتنكّر، أو كادت معالمها تتستّر، أو عرض لها ما يُشبه الفترة، ردَّ الله تعالى لها الكرة، فأهبّ ريحها، ونفّق سوقها، بفرد من أفراد الدّهر أديب... مثل الأمير السيد الأوحد، أبي الفضل عبيد الله بن أحمد الميكاليّ، أدام الله تعالى بهجته».
وقد يُعتقد من اسم الكتاب أنه يهتم بظواهر اللغة وتعريفاتها وتعليلاتها، ولكنه في الحقيقة يقدم معاني هذه اللغة في قسمين، القسم الأول (فقه اللغة)، وموضوعه حفظ الدلالات اللغوية للألفاظ العربية وذكر المترادفات المختلفة للمعنى الواحد، ويبدأ بمقدمة عن فضل العربية وسبب تأليف الكتاب، ويعرِضه في 30 باباً، تضم ما يناهز 600 فصل، حيث يجمع في كل باب مفردات لغوية لمعنى تدل على أجزائه أو أقسامه أو أطواره أو أحواله، مُقدِّماً المعنى الدقيق لكل كلمة، ويجمع الفصول المتقاربة في المعنى في باب واحد، وقد يجمع فصولاً في باب ويشير إلى أنه كان يجب أن يكتبها في باب سابق ولكنه نسي كتابتها. وأما القسم الثاني (سر العربية)، فهو عبارة عن فصول غير مبوبة، يتناول فيها المؤلف مجاري كلام العرب وسننها، كما يتناول بعض أساليب اللغة بإيجاز، مُتنقلاً بين مختلف علوم هذه اللغة الجميلة، فيورد التعريفات مُعزّزة بآيات القرآن الكريم، وشواهد الشعر العربي.
اعتمد الثعالبي في تأليف لهذا الكتاب على الوجادة في معظم فصوله، لا على الرواية الشفهية، والوجادة هي أن يجد المؤلف كتاباً محفوظاً يَعلم أنه بخط أستاذه، فينقل منه مع الإشارة إليه، ويكتب (وجدت بخط فلان، حدثنا فلان ويسنده)، وهي طريقة مستعملة في علمي الحديث والأدب.
عناوين مختلفة
وقد وصلتنا نُسَخ الكتاب المخطوطة بعناوين مختلفة، وكانت نسخة دار الكتب المصرية وحدها التي تحمل عنوانه الحقيقي: «فقه اللغة وسر العربية»، فيما جاء اسمه في نسخة الكتبخانة العمومية في القسطنطينية: «معرفة الرتب فيما ورد من كلام العرب»، كما جاء بعنوان «شمس الأدب» في مكتبة الأوقاف بالموصل، وسماه بعض المؤرخين «سر الأدب»، وقد طبع لأول مرة على الحجر في إيران سنة 1858م بعنوان «سر الأدب في مجاري كلام العرب»، بينما طبع لأول مرة في باريس سنة 1861م بعناية رشيد الدحداح بعنوان: «فقه اللغة وسر العربية»، وطبع في مصر على الحجر سنة 1284هـ ثم على الحروف سنة 1880م، لتتوالى طبعاته بعد ذلك.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y7rvthh2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"