أوان إعلان إفلاس الإنتاج

00:31 صباحا
قراءة دقيقتين

هل ترى أن شركات الإنتاج الفني والفضائيات، ستنتف شعر رأسها، إذا نحن تهامسنا غامزين من «قنواتها»، لكونها لا تحسن اقتناص فرص الإبداع التراجيكوميدي؟ في هذه الظروف، التي لم يشهد لها ظرف زمان ولا ظرف مكان، نظيراً قط، يتذكّر الصيّاد الماهر قطعاً قول الشاعر: «تكاثرتِ الظباءُ على خراشٍ.. فما يدري خراشٌ ما يصيدُ».

أمّا القلم فكلّما اشتدت الأزمة ولم تنفرج، ولم يأذن ليلها بالبلج، ازداد تعلّقاً بمقولة لفيلسوف التاريخ الراحل، الإيراني باستاني باريزي: «لا يوجد حدث مهمّ في التاريخ، لم يبتدئ بسخرية كبيرة، أو لم ينتهِ بسخرية أكبر». المقولة نفسها هي أمّ السخريات، لأنها تحمل في طيّاتها تحديّاً كبيراً. هل في المقولة من شطط؟ أعدَّ قائمةً موسوعيةً لكل الوقائع المهمّة في التاريخ منذ أقدم العصور إلى اليوم، ثم عليك عرض البداية والنهاية واستجلاء السخرية فيهما. لن يكفيك عدد مجلدات كتاب «البداية والنهاية» لابن كثير.

أين خيال المنتجين وأين الفكر والتجليات؟ هل يرومون أرقاماً نجوميةً فوق ما بين أيديهم في خريطة مستلقية على قارّتين، عليها مليارا مسلم، يفخرون باثنين وثلاثين مليون كم2، يتجهون إلى قبلة واحدة، إلههم واحد وكتابهم واحد ورسولهم واحد، ويظن العالم أنهم على قلب مؤمن واحد، ولا عيب فيهم سوى أنهم يعجزون عن إفساح الطريق لشاحنة تقلّ غذاءً أو دواءً أو وقوداً لقوم مستضعفين مقهورين مجوّعين مروّعين في غزّة، والملياران لا يسألون حتى عن عدد القتلى والجرحى والمفقودين. لكن نشرات الأخبار لا تبخل بما قلّ ولم يدلّ، حتى لا تكدّر صفو الناس في الشهر الفضيل، فشركات الإنتاج أعصابها على أحرّ من الجمر، مشرئبة الأذهان تتطلع إلى صعود مقياس حرارة عدد المشاهدين، أمّا أعداد الضحايا فليس الأمر بجديد.

المؤسف هو أن شركات الإنتاج لا ينقصها الخيال الإبداعي فقط، فشرّ البلية هو أن ما تفتقر إليه حقّاً هو الخيال التجاري بالذات، وهذا إخفاق إداري وتخطيطي اقتصادي واستثماري. عليهم أن يفكّروا مثلاً في أن يأخذوا كل تفاصيل العناصر المذكورة آنفاً، ويطلبوا إلى منتجين صينيين أو يابانيين: يا أيها المبدعون، أعدّوا لنا طبخة كوميدية، تراجيدية، تراجيكوميدية بهذه المكوّنات. فإن منتجينا أفلسوا.

لزوم ما يلزم: النتيجة القياسية: في مطلع القرن العشرين، أعلن جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده انسداد دروب الاجتهاد، اليوم نعلن إفلاس الإنتاج.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4mabxwyf

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"