مسرّات بسيطة

01:15 صباحا
قراءة دقيقتين

لا أذكر على وجه اليقين من هو الرجل الذي دعا مرة إلى التقتير في كل شيء بما في ذلك في الحب، وإن كنت أرجح أن القائل هو بطل رواية «الهدنة» للأديب الأورغواني ماريو بينيديتي الذي يوصف بأنه من أهم الأصوات الأدبية في النصف الثاني من القرن العشرين، وقد اشتهر بعدة أعمال من بينها «بقايا القهوة»، إضافة إلى «الهدنة» التي ترجمها إلى اللغة العربية المترجم الراحل صالح علماني.

أوضح بطل الرواية، الرجل الأرمل، مارتين سانتومي، في حال صحّ ترجيحنا أنه قائل تلك العبارة، أنه ليس من طراز الناس الذي يمضون دائماً وهم يحملون قلوبهم على راحات أيديهم، داعياً إلى التدرج في العواطف، لأن إظهار ما لدى المرء من عواطف دفعة واحدة يُحرمه من الاحتفاظ بحالاتها الخاصة لتلك اللحظات الكبرى التي لا تزيد، في رأيه، على أربع أو خمس لحظات في حياة كل فرد.

ولم يكن هذا الرجل يتحدث عن الحبّ والفرح وحدهما، وإنما عن الحزن أيضاً، متسائلاً عما يبقي لمن يبكي كل يوم عندما تحل به فجيعة كبرى، لكن هذا ليس سوى أسلوب حياة قد يناسب البعض ولكنه لا يناسب البعض الآخر الذي هو أميل إلى التطرف في التعبير عن مشاعره إما في اتجاه الفرح، وإما في اتجاه الحزن، بل إن بعض الأدب والفن مجّد الحزن بوصفه حالة من التطهر الإنساني العالي.

وقرأت للكاتب التشيلي لويس سيولفيدا رواية «العجوز الذي كان يقرأ الروايات الغرامية»، وهو في الواقع عنوان مخادع بعض الشيء، لأن الرواية تعبر عن ملحمة حب بين الإنسان والطبيعة، تدور أحداثها في غابات الأمازون، حيث جاء الرجل الأبيض لا ليبيد الهنود الحمر، السكان الأصليين لأمريكا وحدهم، وإنما ليتعامل بوحشية وقسوة مع كائنات الغابة وأشجارها في بحثه النهم عن مناجم الذهب والألماس.

في هذه الرواية، كان البطل الذي كان بالكاد يفكّ الحرف، مولعاً بقراءة الروايات العاطفية ذات النهايات الحزينة حتى ذرف الدموع، كما كان يقول، حين يبدو الحب مستحيلاً، ولكنه مع ذلك باعث على الصدق.

كاتب آخر ينصح بعدم الذهاب إلى السينما لمشاهدة أفلام حزينة، لأن الحياة فيها ما يكفي من المرارة، كي لا نصبح بكائين مدللين وهستيريين لمجرد أن شيئاً قد اعترض طريقنا ومنعنا من مواصلة نزهتنا نحو السعادة. أحياناً، تكفي أشياء بسيطة جداً، لتخلق لدينا السعادة، على خلاف الانطباع السائد الذي يجعل السعادة شيئاً عصياً على النيل حين تقرن ببلوغ المستحيلات، وكلما كان المرء محباً للحياة، كان أميل لأن يرى أن السعادة تتحقق عبر المسرات البسيطة، لكنها المكتنزة بالمعاني.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/33rwn72e

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"