عادي
الذكاء الاجتماعي

السلام لا ينقطع

23:23 مساء
قراءة 3 دقائق
1
سالم بن ارحمه الشويهي

د. سالم بن ارحمه
السلام لا يقتصر على الأحياء، بل يشمل أهل القبور من المسلمين، فقد كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يُعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية».

ومَر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه، فقال: «السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر». وعن عائشة، رضي الله عنها، أن النبي خرج من عندها فقالت: «يا رسول الله، أين خرجت الليلة؟ قال: إن جبريل أتاني.. فقال لي: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، فقلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟، قال: قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون».

وينبغي لمن زار المقبرة أن يدعو بما كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يدعو به وعلمه أمته‏ من صيغ السلام على المقابر ومنها ما قدمنا ذكره، والسنة أن يكون السلام عليهم بصوت مسموع؛ لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، ‏سلّم على الأموات كما سلّم على الأحياء. ومن المعلوم أن ‏المجزئ في سلام الحي أن يرفع الصوت به بحيث يسمعه فيرد عليه وروي في الحديث: «ما من مسلم يمر على قبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلّم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام».

وجسد الميت يفنى (إلا الأنبياء فقد حرّم الله على الأرض أن تأكل أجسادهم، وبعض من أكرم الله من أوليائه) والروح تبقى، لتعيش حياة برزخية حسب عمله، والثابت أن الميت يستفيد من السلام عليه والدعاء له، فيسلّمه الله من فتنة القبر، والبعث والحساب وأهوال الآخرة.

قال النبي، صلى الله عليه وسلم:«إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، فالقُرب يصل ثوابها إلى الميت ولذا شُرع الدعاء والاستغفار له بعد دفنه، فكان النبي، صلى الله عليه وسلم، إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل».

وثبت عن عمرو بن العاص، رضي الله عنه، أنه وصى من حوله وهو في سياق الموت فقال: «إذا دفنتموني، فأقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور، (أي: مدة ذبح الجمل) ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم، وأعلم ماذا أراجع به رسل ربي».

والمقصود من زيارة القبور الدعاء لهم، والإحسان إليهم، وتذكر الآخرة والاتعاظ؛ لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها؛ فإنها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة»‏. وفي رواية: «فإن فيها عبرة».

وفي ترجمة محمد بن عبدالباقي البصري أنه لما مرض أوصى أن يكتب على قبره قوله تعالى: «قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون» وأمر ابن المزين أن يكتب على قبره:

بقارعة الطريق جعلت قبري لأحظى بالترحم من صديقي

فيا مولى الموالي أنت أولى برحمة من يموت على الطريق

وقد أخبر الله عن المؤمنين أنهم يدعون لمن سبقهم كما قال الله تعالى: «والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان»، فالدعاء للميت أجمل وديعة وأحن وداع..

ولا تنسوا من الدعواتِ قومًا ‏ مضُوا عنكم إلى دارِ المنايا

وفيما تقدم من الأحاديث دلالة على أن حق السلام للمؤمن لا ينقطع بعد موته، وهذا يدل على ملازمة السلام للمسلم حتى يدخل الجنة دار السلام جعلنا الله وإياكم، ووالدينا وذرياتنا من أهلها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4r8w4nj3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"