عادي
الذكاء الاجتماعي

طنّش تعِش

23:56 مساء
قراءة 3 دقائق
1
سالم بن ارحمه الشويهي

د. سالم بن ارحمه
هناك آداب تعين الإنسان على أن يعيش وهو منشرح الصدر، يحبه الآخرون ويحترمونه، وذلك حين يحرص على تطبيق أساليب الذكاء الاجتماعي. ومن ذلك التغافل الذي ينم عن ذكاء صاحبه، وليس كما يتصور البعض، دليل ضعف أو غباء، بل هو رقي أخلاقي ومن شيم الكرام؛ فالتغافلُ سجيةَ أصفياءِ اللهِ من أنبيائه وأوليائه؛ حكاه اللهُ عن نبيِّه يوسفَ، عليه السلامُ، إثْرَ إمعانِ إخوتِه في ظلمِهم له، وتجنِّيهم عليه حين لم يكتفوا بتغييبِه عن وجهِ أبيه بإلقائه في غيابةِ الجُبِّ، وحرمانِه منه، بل كالوا له إفكَ تهمةِ السرقةِ في قولِهم:«إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ».

وضرب عليه السلام أروع الأمثلة في أدب التغافل عندما تطاول إخوته في حقه، فأسرها في نفسه وكأنها لا تعنيه وهو يومئذ عزيز مصر لا يخافُ من البوح شيئاً، ولم يردّ عليهم ولم يتفاعَل مع لمزِهِم وماضيهم الأسودِ رغم القدرةِ الكاملة عليهم، بل اكتفى بالصمت إبقاء للود وحفاظاً للأخوة وإكراما لهم وتلك هي أخلاقُ النُّبلاء

كُن سيّداً مُتغافلاً

يطوي مرارة بُؤسِه

متفائلاً يرعى الوداد

ويرتقي في حِسِّهِ

كادُوا ليوسف إخوةٌ

وتمالؤوا في بخْسِهِ

فعفا وأصلح ما بِهم

(وأسرّها) (في نفسهِ)

من الصعب عليك أن تسمع الكلام المؤذي الجارح دون أن تتغير ملامحك، وأن تتجاهل كأنك لست صاحب الشأن.

المستريح اللي من العقل خالي

ما هو بلجّات الهواجيس غطّاس

فإذا آلمتك كلمة عابرة مِن حبيبٍ أو قريب فتجاهلها وأعرض عنها، فبعض العلاقات أكبر من أن تُضيعها كلمة والتغافل لا يعني الغفلة، ولكن نفوس كريمة تغض الطرف لتحفظ الود.

ورحمَ اللهُ من رأى جِدارَ الودِّ يريدُ أن ينقضَّ بكلمةٍ جارحةٍ فأقامه بالتغافل حتى لا ينقطِعَ الوصلُ، فتلك سُنَّة الأنبياء.

المتغاضي شخص قرّر أن يصبر على لؤم الخَلق طمعاً في كرم الخالق، فاستيعابك أن الدنيا فانية يجعلك تتغاضى عن أمور كثيرة جداً ولا تبدي فيها حتى أي ردة فعل، فنحن في زمان تتساقط فيه الأرواح بلا سابق إنذار.

قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه:«إذا سمعت كلمة تؤذيك فطأطئ لها رأسك حتى تتخطاك».

الكلمة اللي ما لها قيد وعقال

لا مرتك لا تعترض في نحرها

صد وتغيفل لا تلقي لها بال

خل الخبول تصرها في غترها

ما كل رجال يواخذ بما قال

ولا كل شجرة ينوكل من ثمرها.

دخل الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز المسجد ليلة في الظلمة، فمر برجل نائم فعثر به، فرفع رأسه وقال: أمجنونٌ أنت؟

فقال عمر: لا، فهم به الحرس فقال عمر: مه، إنما سألني أمجنون ؟ فقلت: لا هذه ‏أخلاق الكبار

وحين سُئل الإمام أحمد بن حنبل عن العافية وأين يجدها الإنسان. قال:«تسعة أعشار العافية في التغافل عن الزلات». وفي رواية أخرى، أنه سُئل عن حُسن الخلق، فقال:«تسعة أعشار حُسن الخُلق في التغافل».

ولغازي القصيبي كلمة جميلة يقول فيها:«ستدرِك في وقتٍ متأخّر من الحياة أنَّ معظم المعارك التي خضتها لم تكُن سوى أحداث هامشيّة أشغلتك عن حياتك الحقيقية».

واسْتَطَال رَجُل على عليّ بن الحُسين فَتَغَافَل عنه، فقال له الرّجُل: إيّاك أعْنِي، فقال له عليّ: وَعَنْك أُغْضِي.

رد الجاهل التجاهل، فطنش.. تعش.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bddmk4he

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"