عادي

رُهاب الإسلام

23:42 مساء
قراءة 3 دقائق
يوسف الحسن

د. يوسف الحسن
اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموافقة 115 دولة، وامتناع 44 دولة، في منتصف مارس/آذار الماضي، قراراً بشأن مكافحة كراهية الإسلام، وإدانة دعوات العنف والكراهية والتحريض والتمييز ضد المسلمين، وتعيين مبعوث خاص للأمم المتحدة معني بمكافحة «الإسلاموفوبيا».

قرار مهم وحكيم (رغم تأخر صدوره، واستغراب الامتناع عن التصويت من قبل دول معنية بهذه الإشكالية) ومرحب به رسمياً وشعبياً في عالمنا العربي والإسلامي.

ولا شك أن العرب والمسلمين يقدرون تلك الظواهر الدولية التي تلوح بين حين وآخر في منتديات وحوارات، ووسائل إعلام وكتابات، داعية إلى إنصاف الإسلام، وتصحيح صورة الآخر، وإبراز الجوامع المشتركة في العقائد والأخلاق والثقافة، وإشاعة وإثراء ثقافة التسامح والتفاهم والحوار واحترام الاختلاف والأخوة الإنسانية.

مكافحة «الإسلاموفوبيا» قضية تستحق بذل الجهد الكثير، خاصة في الظروف الراهنة، حيث تتعاظم التحديات التي تواجه الإنسانية، وتجري تغيرات عميقة ومتسارعة في الأفكار والاقتصاد والسياسة والحركات الجماعية للسكان وانتقالها عبر الحدود والثقافات. كما يشهد العالم تفجراً في المعلومات وتداولها، وتضاعفاً في منسوب انتشار المعلومات المضللة والخاطئة. وتتداخل ظواهر ثقافية بأزمات اجتماعية واقتصادية تؤثر في القيم وفي نسيج المجتمعات، وتغذّي ضروب الكراهية الجماعية، خاصة في المجتمعات التي ينتشر فيها التعصب واليمين المتطرف الشعبوي، فيتحول الاختلاف الثقافي أو الديني إلى نزاع، وإذا نشب النزاع يتحول إلى عنف في ظل صور نمطية سلبية لدين عند آخر، أو لثقافة عند أخرى.

يستحق هذا القرار الأممي التقدير والتشجيع، ومتابعة تنفيذه، ورصد مدى تطبيقه في مجتمعات أوروبية وأخرى في آسيا، بخاصة في دول ومجتمعات تفشَّت فيها ظواهر التعصب والتنميط غير المبرر للإسلام، كعقيدة مغلقة، تولِّد الإرهاب، واستسلام نخب سياسية وإعلامية لتفكير غير متوازن ومسؤول، ومنصف، مشوب بالرعب والخوف والنزق تجاه ديانة سماوية كبرى، ويتغذى من خلفية ثقافية ومعادية للإسلام، تستعيد صورة أيديولوجية عنه تراكمت رموزها منذ زمن طويل، وصيغت بشكل نمطي، تشير إلى عدوانيته باعتباره ديناً، وإلى تطرف أتباعه باعتبارهم بشراً متعصبين ومعادين للديمقراطية.

وقد أسهم مفكرون في الغرب، من بينهم إدوارد سعيد في كتابه الشهير «التغطية الإعلامية للإسلام» في كشف دور الإعلام الغربي الليبرالي في التحيز ضد الإسلام، ديناً وحضارة ومجتمعات ومواطنين، وأثبت كيف أن الإعلام قد صاغ مجموعة من الصور النمطية السلبية التي مازالت قائمة، وأثّرت في استبعاد دراسة الإسلام عن ساحات الفكر والمناقشة في أوروبا وأمريكا، والاكتفاء بالتصورات المتخيلة والمزيفة.

ولا شك أن الخطاب الإسلامي الموجه للغرب يحمل جزءاً من هذه المسؤولية، فهو ما زال يُقدم بشكل حدِّي، ومُثقل بمشاعر وأعراض أعباء التاريخ، وجعل بعض من مسلمي هذا الزمان الإسلام سلسلةً لا تنتهي من القيود والموانع والأغلال، إلا أنه من الجلي أن من الأوروبيين وغيرهم من لا يريدون أن يروا في الإسلام شيئاً نافعاً ومشرفاً، وفي إطار غلبة ثقافات فرض «الهيمنة» وإملاء «أنموذجها» دون مراعاة خصوصيات ثقافية لحضارات أخرى. وكان من الأجدى بمن ينادي بالتعددية السياسية أن يعتمد أيضاً مبدأ التعددية الحضارية، وقيم التنوع الثقافي والعقيدي.

تتطلب ثقافة السلام والوئام والتعايش بين الأديان والثقافات توفير قدرٍ كافٍ من النزاهة الفكرية وعدم التحيز، والابتعاد عن الشجب الانتقائي عند تطبيق معايير حقوق الإنسان، وعن ازدواجية المعايير عند مكافحة الكراهية وازدراء الأديان،

وعند تطبيق سياسات الحصول على التعليم والتوظيف والعدالة والهجرة.. إلخ.

ومن ناحية أخرى، فإن امتناع 44 دولة، معظمها دول أوروبية، عن التصويت لصالح القرار الأممي، يعبر عن «لا مبالاة سياسية» تجاه تفشي الكراهية والتعصب، التي وصلت إلى مستويات مثيرة للقلق في دول أوروبية كثيرة، وأمثلتها كثيرة: هجمات على المساجد والمدارس والمراكز الثقافية والممتلكات الخاصة.. إلخ.

إن تصاعد ظاهرة الرهاب من الإسلام في المشهد الأوروبي يضع النموذج الديمقراطي الليبرالي أمام اختبار في مدى قبوله لقيم التنوع والتعددية، وفي مدى استعداده لاتخاذ إجراءات ملموسة لمكافحة الكراهية والعنف والتحريض ضد المسلمين، ووضع حد للإفلات من العقاب.

تبقى مسألة الحاجة الملحة للبحث الموضوعي والنزيه في جذور وأسباب وتجليات هذه المعضلة، ومخاطر استمرار هذه الظاهرة الخطرة في ظل أزمة المفاهيم والهويات المغلقة، وصعود خطابات العنصرية واليمين المتطرف والأحكام المسبقة، ووجود إعلام وتعليم وسرديات داعمة لهذا الرهاب من الإسلام كتهديد، ومن انعدام الثقة في المسلمين.

الدول العربية والإسلامية، ومؤسساتها الرسمية والشعبية مطالبة بالإبداع والتفكير، إن على مستوى الخطاب أو الوسائل أو الحوار، للحد من استمرار هذا الرهاب الخطر، وبعيداً عن السجالات السياسية والمعالجات الشكلية.

إنها مسؤولية جماعية لبناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً واحتراماً لكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/w9t54hf7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"