اقتصادات عربية انتقالية

00:55 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. لويس حبيقة

الاقتصادات العربية ليست كلها نفطية أو مستقرة حيث ان هنالك مجموعة ثالثة تقع بين الاثنتين أو مختلفة عنهما يمكن وصفها بالاقتصادات الانتقالية وتضم مصر والأردن وليبيا والمغرب وتونس واليمن وتجارب كل منها مختلفة لكن هنالك قواسم مشتركة واضحة.
جميع هذه الدول تأثر بالأوضاع الاقتصادية في أوروبا بسبب العلاقات التاريخية والقرب الجغرافي. كما تأثرت بطريقة أو أخرى بأسعار النفط كما أن لكل منها سياساتها الاقتصادية التي تؤثر عليها أهمها سعر الصرف والإنفاق المالي لتنشيط الاقتصادات. في جميعها هنالك عامل سلبي مشترك هو نسب البطالة المرتفعة، أي 12% للجميع و30% للشباب، والتي تؤثر سلباً ليس فقط على النمو وإنما خاصة على الاستقرار الاجتماعي والاطمئنان المستقبلي وبالتالي الرغبة في الهجرة بأي ثمن. من أهم النقاط المشتركة هي سوء أداء وضعف فعالية القطاع العام بالإضافة إلى الفساد الذي يسيء إلى مصالح المواطن والى نوعية الخدمات كما يؤذي النتائج الاقتصادية المستقبلية.
نمت هذه الاقتصادات كمجموعة 2,5% سنويا تبعاً لتقديرات صندوق النقد. أما التضخم فهو في حدود 7%. الموازنات عاجزة أي معدل 8% من الناتج، والدين العام يقدر ب70% من الناتج نفسه. ميزان الحساب الجاري عاجز أي معدل 7% مما يشير إلى صعوبات ليست مفاجئة في منطقة غير مستقرة. نجحت هذه الدول في تأمين حد مقبول من الاستقرار الاقتصادي وهنالك تقدم واضح في تنفيذ الإصلاحات التي تختلف في عمقها وامتداداتها وسرعتها من دولة لأخرى. في بعضها، هنالك صراعات عنيفة وضحايا تقع دورياً وإن لم تصل إلى المستوى السوري. تشكل هذه الصراعات تحدياً كبيراً ليس فقط للحكومات وإنما للمجتمعات وللحياة اليومية العادية. هنالك عامل جديد أساسي هو «دونالد ترامب» الذي له وجهات نظر مختلفة عن أوباما وحتى عن الرؤساء الجمهوريين السابقين. من الجديد، العلاقات الأمريكية الروسية الحالية التي ربما تنعكس على الاستقرار في المنطقة.
إذا استمرت الأمور على ما هي عليه في المنطقة، ستتحسن تدريجيا الظروف الاقتصادية لكن ليس بوتيرة كافية لاستيعاب كل العاطلين عن العمل في الدول الست. بالأرقام ولمجموع الدول، يبلغ عجز ميزان الحساب الجاري السنوي 30 مليار دولار وعجز الموازنات 55 مليار دولار أي أرقام كبيرة لا تعبر عنها بالضرورة النسب المئوية أعلاه. تحتاج هذه المجموعة إلى تمويل خارجي سنوي يتعدى ال 40 مليار دولار. قسم كبير من هذه الحاجات تمول من دول مجلس التعاون الخليجي كما من تحويلات العاملين فيها والباقي من الخارج بما فيها المؤسسات الدولية.
التكلم عن المجموعة دون الدخول في الحالات الفردية لا يفسر الواقع. مثلا، النمو الاقتصادي الليبي سلبي بسبب سوء ادارة الأوضاع والتقلب السياسي والاداري والحروب القبلية وغيرها. الناتج الفردي هو 6671 دولاراً وهذا قليل لدولة نفطية، علماً أن هنالك 6,2 مليون شخص. النمو سلبي في حدود 24% في سنة 2014 لدولة هدرت أكثر إيراداتها عبر تمويل حروب وثورات إفريقية في تشاد وغيرها كما عبر تهريب قسم إلى أمكنة ما زالت مجهولة. هنالك مليارات الدولارات من الإيرادات السابقة على مدى 40 سنة أو أكثر أنفقت، لكن كيف ومن هو المسؤول وهل انتهت تلك المسؤولية مع مقتل العقيد القذافي؟ هذه الأموال هي ملك الشعب الليبي ومن حقه أن يعرف مصيرها. عجز الموازنة 43,5% من الناتج وعجز ميزان الحساب الجاري 30% منه، مما يشير إلى وضع صعب لن يعالجه إلا الاستقرار السياسي وحسن ادارة الدولة. هنالك حوار مع صندوق النقد بشأن الادارة المالية والأوضاع الاقتصادية، علماً أن ليبيا لا تحتاج إلى قروض.
أما مصر حيث الناتج الفردي 3304 دولارات، فعانت وتعاني الكثير من تغيير القيادات والأوضاع. لا شك أن هنالك تأثيراً على نمو الاقتصاد الذي يحتوي على 90 مليون شخص. نمو 2% سنويا غير كاف وبالتالي هنالك طلب كبير على العمل في الخارج حتى بأجور منخفضة. عجز الموازنة هو 14% من الناتج وعجز ميزان الحساب الجاري في حدود 5% من الناتج نفسه. تملك مصر مقومات كبيرة ليس فقط في اليد العاملة وإنما في البنية التحتية السياحية في الأهرام وشرم الشيخ وغيرها من الثروات الجاذبة للسياح من مختلف بقاع الأرض. يمكن لمصر أن تستقطب استثمارات خارجية كبيرة تقوي النمو وترفع مستوى الدخل وتدخل مصر بقوة أكبر إلى قلب القرن ال 21. هنالك حوار دائم مع صندوق النقد أنتج مؤخرا قرضا كبيرا بقيمة 12 مليار دولار.
في الأردن حيث الناتج الفردي 5375 دولاراً، هنالك طاقات كبيرة لم تستثمر بعد علماً أن السكان هم 6,7 مليون. هنالك الخلافات السياسية العميقة التي تبقى تحت مظلة الحكم. لا يكفي الأردن ما تعانيه من مشاكل بنيوية أساسية في السكان والتنوع الاقتصادي، فجاءها النزوح السوري الذي خلق للاقتصاد مشاكل اضافية ثقيلة. في الأردن بنية سياحية مهمة تستقطب الزوار ومن الممكن أن تجذب المستثمرين أكثر عندما تستقر الأوضاع في المنطقة. نمو الاقتصاد هو 3% سنويا والعجز المالي هو 13% وعجز ميزان الحساب الجاري 12% من الناتج. لا شك أن الأوضاع غير مريحة للمواطن العادي لكن الأردن يملك القواعد والطاقات التي ستمكنه من النهوض عندما تتغير الظروف الخارجية. من المشاكل الأساسية للاقتصاد هو التمويل علماً أن الهبات ليست قليلة لكنها خفت مع انخفاض أسعار النفط. هنالك برنامج بقيمة 2,05 مليار دولار مع صندوق النقد قرر في أغسطس/‏آب 2015 ل 3 سنوات لدعم الاستقرار.
أما تونس ذات الناتج الفردي 4422 دولارا، فهي قائدة الربيع العربي والذي لم تستفد منه كليا حتى اليوم. تونس مع 11 مليون مواطن مستقرة أكثر من غيرها لكن اعتمادها على السياحة كمصدر أساسي للنمو يفرض عليها تحقيق استقرار أفضل وتطوير للبنية التحتية السياحية بشكل اسرع وأعمق ودائم. يبلغ النمو السنوي 2,3% والعجز المالي 6% وعجز ميزان الحساب الجاري 9% وهذه نسب غير مريحة لاقتصاد لا يحتوي على ثروات طبيعية كافية. ما حصل في تونس من تغييرات حتى اليوم ليس بالقليل ويشير إلى وعي إنساني كبير والى تقدم مهم نموذجي لدور المرأة في المجتمعات العربية. تطوير وتعميق العلاقات مع أوروبا مهم جدا دون أن ننسى امكانية تطوير التواصل مع الدول الخليجية. هنالك برنامج لسنتين بقيمة 1,75 مليار دولار قرر في منتصف 2013 مع صندوق النقد.
في المغرب حيث الناتج الفردي 3316 دولارا، تحقق نمو قارب 5% في سنة 2013 و 2,4% في سنة 2014. هنالك عجز في الموازنة يقدر ب 6% من الناتج سنويا وعجز في ميزان الحساب الجاري يقدر ب9%. يعتمد المغرب على إنتاج الفوسفات كما على السياحة حيث الضيافة المغربية معروفة ومشهورة. في يوليو/‏ تموز 2014.

كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"