الإمارات وصناعة الحلفاء

00:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول*

تُعد صناعة الحلفاء والشركاء الاستراتيجيين من الصناعات الثقيلة في السياسة الدولية، وذلك لأنّها تنم عن بصيرةٍ نافذة ورشاد ظاهر وحكمة بالغة، وتتطلب مهارات «ذكية» - إذا استعرنا تعبير عالم السياسة الأمريكي «جوزيف ناي»- تمزج بين أدوات القوة الناعمة وأدوات القوة الصلدة في مركبٍ تغلُب عليه الأولى. كما تتطلب هذه الصناعة، ولاسيما إذا كانت تتم في وضح نهار النظام العالمي وليست سرية تنعقد في دهاليز أو أقبية السياسة الدولية السرية، براعةً في استخدام القوة من جانب صنّاع السياسة؛ أي القدرة على توظيف الموارد، والمكانة أو السمعة الدولية، وجاذبية النموذج الذي تطرحه الدولة، والتزامها بالشرعية الدولية، وتأثيرها الدولي والإقليمي.

ولأنها من الصناعات الدولية الثقيلة، تستلزم صناعة الحلفاء انخراط صانع القرار الرئيسي (رئيس الدولة / رئيس الحكومة) في تخطيط وإدارة السياسة الخارجية للدولة، ومحاولة تحقيق التوازن في التفاعلات مع الحلفاء والشركاء المختلفين. ولعل قلة من القادة السياسيين ينجحون في صناعة الحلفاء والشركاء الاستراتيجيين بهذا المعنى.

ولعل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، واحد من هؤلاء القادة الذين اختبروا صناعة الحلفاء والشركاء الاستراتيجيين، وبرعوا فيها.

ففي أول خطابٍ له بعيد اختياره رئيساً للدولة في 14 مايو (أيار) 2022، أكّد سموه، أن هدف السياسة الخارجية الإماراتية وتوجهها في المرحلة المقبلة يتمثل في «إقامة شراكات استراتيجية نوعية مع مختلف الدول». وفي مناسبةٍ لاحقة، بيّن سموه أن دولة الإمارات سوف تسعى في المرحلة المقبلة لتعزيز جسور الشراكة والحوار والعلاقات الفعّالة والمتوازنة مع دول العالم، لتحقيق الاستقرار والازدهار للجميع.

وقد كان الأسبوع المنصرم، حافلاً بأنشطة دبلوماسية لصاحب السمو رئيس الدولة، وكان أبرز دليل على متابعته صنع الحلفاء والشركاء الاستراتيجيين. فقد حط موكبه أولاً في سيؤول، في 28 يونيو (حزيران)، لترسيخ علاقة الشراكة الاستراتيجية الخاصة مع كوريا الجنوبية، والتقى وفدي الشركات الكبرى وريادة الأعمال الكورية، وفي لفتة إنسانية مؤثرة، زار سموّه الرئيس الكوري السابق، لي ميونغ باك، في منزله.

وفي اليوم التالي، انتقل الشيخ محمد بن زايد إلى الصين؛ للاحتفاء ب40 عاماً من العلاقات الإماراتية - الصينية، والتقى الرئيس شي جين بينغ، ورئيس اللجنة الدائمة لنواب الشعب الصيني، وشارك في منتدى التعاون العربي - الصيني، وفي 31 مايو (أيار)، أُعلن عن نجاح وساطة إماراتية في إتمام عملية تبادل أسرى جديدة بين روسيا وأوكرانيا.

وما أن وصل عاصمته حتى استأنف رئيس الدولة نشاطه الدبلوماسي المكثف؛ فاستقبل، في 2 يونيو (حزيران) الجاري، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، وأرسل وزير خارجيته، سمو الشيخ عبد الله بن زايد، إلى سنغافورة في اليوم التالي، حيث التقى رئيس الوزراء لورانس وونغ، ووزير خارجيته.

وأسفرت محطة سيؤول عن تعميق التعاون بين الإمارات وكوريا في مجالات الاقتصاد والاستثمار، والطاقة التقليدية والنظيفة، والدفاع والعلوم والتكنولوجيا، والاستدامة والثقافة. وتم توقيع اتفاقية تجارة حرة مع كوريا، والاتفاق على إلغاء الرسوم الجمركية على الصادرات الإماراتية النفطية إلى كوريا، وإعفاء 90% من واردتها غير النفطية من كوريا؛ وهي امتيازات لم تحصل عليها أي دولة عربية حتى الآن.

وقد أفضت زيارة الصين إلى توقيع اتفاقات ومذكرات تفاهم شملت العديد من مجالات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، من التعاون الاقتصادي إلى الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، مروراً بالصناعات والتكنولوجيا والسياحة والتعليم والثقافة. والأهم من ذلك، دعمت بكين مطالبة الإمارات بحل قضية الجزر الثلاث المحتلة (الطنبين وأبو موسى) عبر المفاوضات الثنائية أو التحكيم الدولي. وتحتل الصين مكانة مهمة في التوجه الخارجي للشيخ محمد بن زايد، ولكن الإمارات ترتبط بعلاقات استراتيجية مع معظم القوى الصاعدة في آسيا، ولاسيما الهند واليابان وكوريا وإندونيسيا وفيتنام.

كما أسفرت الزيارة الصينية عن لقاء الشيخ محمد بن زايد عدداً من القادة العرب على هامشه، وعلى رأسهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة.

وبالنسبة للوساطة الإماراتية بين روسيا وأوكرانيا، التي شملت الإفراج عن 150 أسيراً، فهي الرابعة منذ بداية العام الجاري، وتعكس قدرة دولة الإمارات على تسخير علاقاتها المتميزة مع الجانبين الروسي والأوكراني من أجل التخفيف من التداعيات الإنسانية الناجمة عن الأزمة، ومكانة دولة الإمارات كشريك موثوق به على المستوى الدولي.

والخلاصة أنّ براعة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد في صناعة الحلفاء والشركاء عبر قارات العالم تُفسر، إلى حدٍ كبير، اختيارات الإعلاميين والخبراء له كونه القائد الأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط، وتنامي مكانة دولة الإمارات كقوة إقليمية صاعدة بتحالفاتٍ وشراكات دولية متنوعة وممتدة ومتوازنة.

[email protected]

*متخصص في العلاقات الدوليةوالقضايا الجيوسياسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/48c8h5e2

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"