اليمين المتطرف وإرث نابليون

00:24 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

انتهت انتخابات البرلمان الأوروبي ولم تخِب التوقعات، وحققت أحزاب اليمين المتطرف نتائج غير مسبوقة تعزز التحول التاريخي الذي تعرفه هذه القارة ضمن سياق عالمي متغيّر، ومثقل بالأزمات والصراعات. وبعد إعلان النتائج بدأت ردود الفعل تتوالى، من استقالات ودعوات إلى انتخابات وطنية مبكرة، ومخاوف من تصاعد نبرة العنصرية وكراهية الآخرين، والعداء لفكرة التكامل الأوروبي، التي تحاول الصمود في وجه هذه الأنواء السياسية.

النتائج التي حققتها الأحزاب الشعبوية، كانت في حد ذاتها ردة فعل عقابية من الشارع الأوروبي على التيارات السياسية السائدة في عواصم القرار، وهي تيارات متهمة بالفشل في مجابهة التحديات الطارئة، والعجز عن بلورة حلول للقضايا المستجدة، سواء داخل الاتحاد الأوروبي، أو في محيطه، كما تفتقدالأجوبة الشافية عن أسئلة الرأي العام المتعلقة بأفق الأزمات، الاقتصادية والاجتماعية، والموقف من القوى الكبرى، مثل روسيا والصين، وترسيخ التبعية السياسية والأمنية للولايات المتحدة. وهذه القضايا تلحّ على المجتمعات الأوروبية منذ سنوات، وأصبحت هواجس وكوابيس تسيطر على النخب السياسية المهتمة بالدراسات الاستشرافية. وفي ضوء الأوضاع الراهنة والتقلبات القائمة، يسود قلق كبير على المستقبل الجماعي لأوروبا زعزع ثقة نسبة من الرأي العام بالتكتل القاري، وجدواه. وهذه واحدة من محن قوى الوسط المعتدلة.

صعود اليمين في أوروبا، لم يكن حالة شاذة، بل هي ظاهرة عالمية، تؤسس لمرحلة مختلفة، لها متطلباتها وتحدياتها، وتتطلب نخباً مختلفة. ولا يعني ذلك أن الأحزاب الشعبوية ستأتي بالحلول الحاسمة لمشاكل القارة الأوروبية، بل العكس هو ما قد يحصل، فأغلب هذه الأحزاب يمنح الأولوية لخصوصية البلد أكثر من التكتل القاري، ويعود إلى الرموز التاريخية من قادة، وشخصيات، ومفكرين، ولا يؤمن بالعمل الجماعي، ولا بالوحدة الأوروبية، ولا يرى ضرورة لمعاداة قوى دولية، مثل روسيا، أو تبعية كاملة للقرار الأمريكي. وهذه المواقف ليست مقتصرة على اليمين المتطرف، بل منتشرة بين الأطراف السياسية الأخرى، وبعضها عبّر عنه الرئيس الفرنسي الوسطي، إيمانويل ماكرون، عندما دعا إلى إعادة بناء العلاقة مع واشنطن، وبناء قوة أوروبية مستقلة، وقبلها تحدث عن موت حلف شمال الأطلسي «الناتو»، دماغياً، قبل أن يتراجع عن كثير من هذه المواقف تحت ضغط التدخل الروسي في أوكرانيا.

فرنسا اليوم أكثر المتضررين من فوز اليمين المتطرف، وها هي تتجه اليوم إلى انتخابات مبكرة أواخر الشهر الجاري، وقد تكون النتائج صادمة أيضاً، وتستطيع زعيمة حزب التجمع الوطني المتطرف مارين لوبان، وأمينه العام غوردان بارديلا، أن يحدثا زلزالاً أخطر من السابق. وقد يكون بارديلا، وهو مهاجر من أصول إيطالية ويبلغ 28 عاماً، رئيساً للوزراء إذا تمكن حزبه من تشكيل الكتلة الأكبر في الجمعية الوطنية، وهذا السيناريو، إذا تحقق سيكون ضربة موجعة لماكرون، وحدثاً مشؤوماً لأوروبا برمّتها، وسيكرس أول فوز لليمين المتطرف يحقق حلم لوبان، ومن قبلها والدها جان ماري لوبان، بالإمساك بدفة الحكومة الفرنسية للمرة الأولى، وقد تكون مقدمة لبلوغ الإليزيه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وإذا حدث هذا فإن فرنسا ستعود إلى بعض من إرث نابليون، الذي ما زالت شخصيته أسطورية لدى شرائح من شباب اليمين المتطرف، وحلماً لبعضهم لاستعادة مجد فرنسي تليد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3rxkt8av

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"