فهرسة النظام المالي

22:02 مساء
قراءة 4 دقائق

جون سي غودمان*

من المفهوم كره أغلبية الناس للتضخم، فإذا ارتفعت أسعار الأشياء التي تشتريها بسرعة أكبر من دخلك، فاعلم أنك في وضع سيئ. وحتى لو كان دخلك مواكباً للارتفاع، ستميل بالفطرة إلى الاعتقاد بأنك تستحق زيادة على راتبك، ولن ترضى بمسار الأسعار المتنامي.

لكن هناك جانباً آخر للتضخم يميل الناس إلى تجاهله. وهو أنه عندما ضرب التضخم اقتصاد الولايات المتحدة، وغيرها، كسبت الحكومة وخسر أغلب الناس. فلماذا حدث ذلك؟

من أسباب مكاسب الحكومة هو أن حيزاً كبيراً من النظام المالي الأمريكي غير مفهرس. ويشير مفهوم الفهرسة إلى تعديل الشرائح الضريبية والخصومات والإعفاءات لمراعاة التضخم، بما يضمن عدم جر دافعي الضرائب إلى شرائح ضريبية أعلى بسبب ارتفاع كلف المعيشة.

والضريبة على إعانات الضمان الاجتماعي هي أحد الأمثلة على ذلك. فعندما تم تبني هذه الضريبة لأول مرة عام 1983، لم تستهدف سوى 10% من كبار السن. ولكن في ظل عدم فهرسة عتبات الدخل للضريبة، فإن أكثر من نصف كبار السن يدفعونها اليوم. وفي كل مرة يرتفع فيها معدل التضخم، يدفع المزيد من المستفيدين المزيد من الضرائب للحكومة.

والدخل الرأسمالي هو مثال آخر. فمدفوعات الفائدة على السندات، والأرباح على الأسهم، ومكاسب رأس المال على أي أصل، تخضع جميعها للضريبة على المكاسب التضخمية، حتى لو لم يكن هناك زيادة في الدخل الحقيقي.

وعندما يقول جو بايدن إن الأثرياء لا يدفعون نصيبهم العادل من الضرائب، فهو يسعى للاستفادة جزئياً من جعلهم يدفعون أكثر. فكل دخل يفوق 200 ألف دولار سنوياً، يخضع أصحابه لضريبة إضافية بنسبة 0.9% على الرعاية الطبية. ولكن نظراً لأن هذا المبلغ غير مفهرس في ظل الإدارة الحالية، بات المزيد من الناس والدخل تحت وطأة التضخم.

وحتى تلك الأجزاء من نظامنا المالي التي يتم فهرستها للتضخم لا تقدم للناس الحماية التي قد يعتقدون أنهم يتمتعون بها. خذ فوائد الضمان الاجتماعي على سبيل المثال. فكما هو معروف، تزداد الفوائد كل عام من خلال تعديل كلفة المعيشة، الذي من المفترض أن يحمي الناس من الانخفاض التضخمي في مستوى معيشتهم، ولكن هذه التعديلات تتم متأخرة.

وتحسب إدارة الضمان الاجتماعي تعديل كلفة المعيشة من خلال مقارنة الأسعار من أكتوبر إلى أكتوبر السابق. ثم لا يتم إجراء التعديل في مستويات الاستحقاقات حتى يناير التالي. وهذا يخلق تأخيراً لمدة خمسة عشر شهراً.

وبافتراض أن المستفيد يتلقى شيكاً شهرياً للضمان الاجتماعي قيمته 3000 دولار، ومعدل التضخم السنوي هو 10%، فكل شهر يخسر هذا الشخص 300 دولار بسبب التضخم. ويعني التأخر لمدة خمسة عشر شهراً في تعديل كلفة المعيشة، أن هذا الفرد قد خسر 4500 دولار. وبالتالي، إذا استمر التضخم، فإن «ضريبته» تتضخم كل عام أيضاً. وفي هذه الحالة، الحكومة هي المستفيد الأول؛ لأنها تدفع للمستفيدين أقل مما كان يتوجب أن تدفعه لهم.

وفي السياق ذاته، يؤثر التضخم أيضاً في الدخل التجاري الخاضع للضريبة. فبدلاً من تحميل الاستثمارات على المصروفات مباشرة، يتعين على الشركات أن تستهلك المصروفات بمرور الوقت. ولكن عندما يؤدي التضخم إلى خفض القيمة الحقيقية لتلك المبالغ القابلة للخصم من الضرائب، فإن الأرباح الحقيقية بعد الضريبة سوف تكون أقل، وهذا يضر المساهمين والموظفين.

إن النظام المالي الأمريكي معقد للغاية؛ لأنه إضافة إلى الضرائب الفيدرالية، تفرض كل ولاية ضرائبها المحلية الخاصة بها، فضلاً عن برامج تديرها الولايات فردياً مثل قسائم الرعاية الطبية والغذاء. ولأن أكبر عشرين برنامجاً للحقوق يمكن إدارتها بشكل مختلف من قِبل خمسين ولاية مختلفة، فإن هناك من حيث المبدأ ألف برنامج مختلف للإنفاق على الحقوق.

في الواقع، يبدو قياس مدى تأثير التضخم في الناس الذين يعيشون في ظل كل هذه الأنظمة المختلفة مستحيلاً ومعقداً. ولكن هذه المهمة الشاقة تولى تنفيذها أستاذ الاقتصاد بجامعة بوسطن لورانس كوتليكوف وزملاؤه في دراسة استغرقت عدة سنوات.

ولمحاكاة آثار التضخم، افترضت الدراسة البدء بمعدل تضخم صفري ثم زيادته إلى 5 أو 10 في المئة. ووجدت أن الزيادة الدائمة في التضخم من صفر إلى 5% تقلل من متوسط موارد الأسرة مدى الحياة بنسبة 3.62%، أما الزيادة إلى 10%، فتقلل من متوسط تلك الموارد بنسبة 6.82%.

هذه الأرقام هي مجرد متوسطات. وبالنسبة لبعض الأسر (وخاصة ذات الدخل المرتفع)، يمكن أن تكون ضريبة التضخم أسوأ بكثير. وفي بعض الحالات، وجد باحثو جامعة بوسطن أن الأسر في كاليفورنيا التي تحقق مكاسب رأسمالية كبيرة قد تواجه ضريبة تضخم مدى الحياة تتجاوز 50%! وهو ما يمنح الناس حوافز قوية للانتقال إلى ولايات تفرض ضرائب أقل.

ووسط كل هذا التخبط، تبرز الفهرسة الفورية للنظام المالي، سواء في العقود الخاصة أو البرامج العامة، بوصفها أحد الحلول المحتملة لضبط الأوضاع الاقتصادية. وهذا يعني في المقام الأول تعديل بيانات التضخم أو حتى تجنبه دون تأخير.

قال عالم الاقتصاد الأمريكي ميلتون فريدمان ذات يوم، إن التضخم المستمر هو ظاهرة نقدية دائمة وفي كل مكان. من هذا المنطلق، ولأن الحكومة تسيطر على المعروض النقدي، فمسؤولية ضبط التضخم تبدأ وتنتهي عندها.

*رئيس معهد «غودمان» لأبحاث السياسات العامة «فوربس»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ycy56b24

عن الكاتب

رئيس معهد «غودمان» لأبحاث السياسات العامة

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"