إيمان الهاشمي
في قديم اللازمان، وفي مكانٍ بلا مكان، يُحكى أن رجلاً لم يمضِ في حياته أكثر من بضعة أقدام، وذات يوم زاره ضيف صامت ومكث عنده إلامَ حل المساء، فمدّ الرجل للضيف طبقاً من الحساء، وحملق الأخير في الطبق كما لو أنه سقط في قعر حفرة! ثم طفق يأكل الصحن بعدما أفرغ محتوياته فوق السفرة!
اندهش الرجل من ضيفه المسحور، وظنّ أنه وقع في بئر لا يسبر له غور، وبعد زهاء ساعة من الصدمة، سقطت من فمه صرخة، التقفتها رئتاه بشهقةٍ طويلة: «من أنتَ يا هذا؟ ولمَ تأكل الصحن دون الحساء؟»، ومن دون تردد أجابه: أنا قراراتك الخاطئة التي ارتكبتها دون أن تتعلم منها، أنا انهزامك قبل أن تخوض المعركة، وقد جئتك لأنذرك بألا تركن سعادتك عند رصيف الكآبة، وألا تهمل آمالك بعد خريف الخيبة، حتى لا تلفظ أنفاسك الأخيرة مع كل شهيقٍ وزفير، أو ربما في لحظة «عشاء»! وفوِّض أمرك لله ليفعل ما يشاء.
اشتهرت العصور الوسطى بشدة التسلط وقوة القبضة، وبسيطرة الكنيسة على الخطوة والنبضة، إلى أن هاجت النفوس المعترِضة وثارت القلوب المنقبِضة، لإحياء حرية الفكر المُجهَضة، واستعادة الآمال المنقرِضة، ولتسطع شمس اليقظة وكأنها تلك اللحظة أو الومضة، التي نقلت البشرية من فترة الظلم الرافضة، ومن حقبة الظلام الفارضة، إلى عصر النهضة والأحلام المُفترَضة، ولكن الملحن كلاوديو مونتفيردي أبى ورفض ولم يرض، بسبب درجات الفُرص المنخفضة، فنقل جلّ نهضته المنتفِضة، إلى العصر الباروكي ومفاهيمه المتناقضة، ففي عمر ال15 بدأ في التلحين، ولم يتوقَّف منذ ذلك الحين، حيث موسيقاه لاتزال تُعزف في أرواحنا غذاءً وطعاماً، بالرغم من مرور أكثر من 450 عاماً، كما أنه يُعتبَر مؤسِّساً لفن الأوبرا، وتعد مؤلفاته من أكثر الأعمال شُهْرة، إلا أنه أضاع منها الكثير، فلم يصلنا إلا القليل، ربما نتيجةً لقسوة النقد وجرحه الغائر الذي تعرّض له بشكلٍ جائر، ومع ذلك ناضل باستمرار، لعله يتخطّى المرار، حيث أحبَّ مغنيةً تَشَابَه معها بالقلب والروح والمِهنة والاسم، ولم يفترقا إلى أن فرّق الموت بينهما بالجسم. «كلاوديو وكلاوديا» كانت قصة حبٍ مليئة بالأحاسيس، ولكنها بمشيئة القدر انتهت بعد الزواج ومرحلة التأسيس، فاعتزل هو الحياة عند موتها ثم تحوَّل فجأةً إلى قسيس.
بمناسبة الحب في السرّاء والضراء، مونتفيردي تعني الجبال الخضراء.
الاسم: كلاوديو مونتفيردي Claudio Monteverdi
التاريخ: (1567 – 1643) 76 سنة
الجنسية: إيطالي
النشاط: موسيقي
من أعماله:Marienvesper
