عادي

الأذن تقرأ.. والعين تنصت

22:32 مساء
قراءة 7 دقائق
1
الأذن تقرأ.. والعين تنصت

الشارقة: علاء الدين محمود

مع التقدم التكنولوجي الكبير في عالم الاتصالات والمعلوماتية، بدأت تتوفر أدوات جديدة للمعرفة، وكذلك مفاهيم مختلفة، فلئن كان الكِتاب الورقي هو الوسيلة الأبرز للاطّلاع، ونيل المعارف في الماضي، فتلك المكانة بدأت بالتراجع رويداً رويداً، خاصة مع انتشار ظاهرة المواقع المتخصصة، أخيراً، والتي تعددت أنواعها ووسائلها، ففيها التي تخصصت في بيع وتسويق الكتاب الإلكتروني، وهناك مواقع للكتاب المسموع، أو الصوتي؛ ويربط كُثر بين تفشي الظاهرة، ونمط الحياة التي يعيشها الإنسان في العصر الحالي، والتي تتسم بالسرعة، وانشغال الإنسان وراء حاجيات الحياة، ومتطلباتها، الأمر الذي بدأ معه التفكير في وسائل جديدة.

وشهدت السنوات الأخيرة انتشاراً كبيراً لمواقع وتطبيقات وصفحات الكتب الصوتية، وهي تلقى قبولاً في أنحاء من العالم، ولعل دخول الكتاب الصوتي، أو المسموع، في مشهد القراءة، أعلن عن نمط جديد من الاطلاع بواسطة الأذن بدلاً من العين، وهو أمر بطبيعة الحال مختلف عن القراءة بواسطة العين، كوسيلة اعتاد عليها المرء، وكوّن من خلالها علاقته بالاطلاع والثقافة والمعرفة في أزمنة هيمنة الكتاب الورقي، لكن في الواقع نجد أن الأذن ليست وسيلة غريبة على المرء في عملية تحصيل المعارف، فقد كانت تلك الطريقة الأولى في تلقيه المعرفة، فالأطفال يطالعون الحكايات والقصص بواسطة الأذن عن طريق الآباء، أو الأمهات، أو الجد والجدة، خاصة حكايات ما قبل النوم، وتلك الطريقة كانت هي المسؤولة عن تنمية خيال الصغار، وتهيئتهم لدخول عالم القراءة بواسطة أعينهم، ولعل وجود مواقع للكتاب اعتمد على تلك الفكرة، وذلك التراث مع المعارف.

  • سوق

أعداد كبيرة للمواقع تعلن عن نفسها في كل حين كمتخصصة في المؤلفات الصوتية، حيث يقرأ الكتاب للمشتركين بواسطة شخص يمتلك إمكانات صوتية جيدة، وفي بعض الأحيان تكون هناك مؤثرات صوتية تساعد المتلقي، أو القارئ على الاندماج مع الكتاب، حيث يطلق العنان لخياله في عملية تصور الأحداث والوقائع، وهي ذات فكرة البث الإذاعي الذي يعتمد أيضاً على الاستماع، والخيال، وقد كان الراديو في الماضي يبث المسرحيات والمسلسلات التي تصمم بحيث تُسمع بالأذن، وكذلك كانت لدى الإذاعات برامج وفقرات عن قراءة المؤلفات، ولعل الفكرة الأساسية في وجود المؤلفات الصوتية، أن هنالك أعداداً من البشر بحاجة إلى المعرفة، ولكنهم في ذات الوقت لا يستطيعون القراءة، ربما بسبب الأميّة، أو لمشاكل في النظر، أو عدم المقدرة على الحصول على الكتاب، إلى أن تطور مشهد الكتاب الصوتي، وصار مجالاً قائماً يحفل بالمواقع والتطبيقات، ويجذب الكثير من جمهور القراءة، كذلك لأسباب متعلقة بروح العصر، حيث لا يجد المرء وقتاً للقراءة البصرية التي تتطلب جهداً أكبر في التركيز، والمتابعة، لتصبح الكتب الصوتية عبارة عن سوق كبير يشهد، كما تقول بعض الإحصاءات، ازدهاراً في العديد من الدول.

تطبيقاتويظل عشاق الكتاب المسموع يبحثون دائماً عن أفضل المواقع التي تقدم لهم خدمات القراءة الصوتية، وبالفعل، هناك مواقع وتطبيقات اشتهرت عن غيرها، وهي تختلف في تصميمها، وإمكاناتها، فعلى سبيل المثال هناك تطبيق «Kobo Books»، وهو أحد أشهر التطبيقات الصوتية، وله مجموعة مميزة من الخدمات مثل البودكاست، وهناك تطبيق «bookamo»، وهو منصة تقوم فكرتها على مساعدة الأشخاص على القراءة، وهي عبارة عن تطبيق يتوافق مع معظم أنواع الهواتف، وفيه مكتبة كبيرة تضم أكثر من 140 كتاباً، ويمكن للقارئ التحكم في سرعة الملف الصوتي، أما تطبيق «hoopla»، فهو يُعد من أفضل وأهم التطبيقات، فهو يتمتع بإمكانات تقنية كبيرة، ويضم آلاف الكتب التي يدعمها التطبيق الذي يتطور بصورة مستمرة، وكذلك هناك تطبيق «overdrive»، الذي يتمتع بالعديد من المزايا، وقد اشتهر بسبب الخدمات الوفيرة التي يقدمها للمستخدمين، ومنها سهولة التحكم في الملف الصوتي، أيضاً هناك تطبيق «ibooks»، و«audiobooks now»، والعديد من المواقع والتطبيقات الأخرى التي تعمل على جذب القارئ عبر توفير المزايا التي يبحث عنها المتلقي، وتجعله مستمتعاً بالكتاب الصوتي.

  • خصائص

ومن أكثر العوامل التي أسهمت في انتشار المواقع والتطبيقات الخاصة بالكتاب الصوتي، هي لحظة صعود وانتشار فيروس كورونا، حيث كادت أن تتعطل صناعة النشر في تلك الفترة، وفرضت على الناس حول العالم العزلة التي أبقتهم في بيوتهم، الأمر الذي وثق علاقتهم أكثر بالتكنولوجيا، وفي أثناء تلك الظروف انتشرت مواقع الكتاب المسموع، خاصة مع توفّر الأجهزة الإلكترونية، والتطبيقات المختلفة التي تُتيح تحميل الكتب الصوتية، وشراءها من دون قيود، ولئن كان الكثير من الناس ما زالوا ينحازون للكتاب المقروء بواسطة العين، سواء الورقي أو الإلكتروني، فإن بعض الخبراء أخذوا يبحثون عن مزايا الكتاب المسموع، إذ وجدوا أنها تمكّن من تحسين مهارات النطق، والمحادثة، حيث إن المتلقي يمكنه ملاحظة النطق الصحيح للكلمة، ونبرة الصوت، ومواضع التوقّف والتشديد، وهي أمور لازمة في تعلّم أيّ لغة، كما تساعد الكتب الصوتية على إدارة الوقت عبر تعددية المهام، فمن السهل أداء مهام مختلفة خلال الاستماع للكتاب الصوتي، مثل أداء التمارين الرياضية، أو قيادة السيارة، كما عبَّر عدد من البشر عن أن الاستماع يساعدهم على الاسترخاء، والتخلّص من القلق، وبالتالي يُحسّن صحتهم النفسية.

  • ترويج

وقد ذكر العديد من التقارير أن الكتب الصوتية كان لها أهمية في الترويج للمؤلفات، والكتب، فقد شجعت العديد من الناس على القراءة بواسطة العين، والبحث عن الكتب والمؤلفات من أجل قراءتها بعد أن استمتعوا بها صوتياً، وبالتالي كانت القراءة الصوتية بمثابة عامل جذب نحو المعرفة، حيث إن العديد من الذين اختاروا تلك التقنية؛ أي القراءة الصوتية، كانوا يريدون تزجية الوقت، أو الاستمتاع بالقراءة غير المكلف للطاقة، ولكنهم وجدوا أنفسهم وقد تورطوا في حب الاطلاع، وبالتالي، فإن جمهور القراءة قد كسب أعداداً جديدة بفضل المؤلفات الصوتية، وقد ذكرت بعض الدراسات والبحوث أن الكتب المسموعة لن تحل محل المقروءة، بخاصة إذا كانت المعلومات متخصصة، وعملية، وصعبة، لأن ذلك يعني أنها تتطلّب الكثير من الاندماج الذي يتحقّق بقراءة الكتب فقط.

ولعل الحديث عن أن روح العصر، وهيمنة التكنولوجيا هي المسؤولة عن وجود مواقع خاصة بالمؤلفات المسموعة، فإن ذلك الأمر ينطبق أيضاً على الكتاب الإلكتروني، والذي يجد الآن قبولاً وصدى كبيراً لدى جمهور القراء، فالبعض قد اكتفى بالكتاب الإلكتروني، وتكوين مكتبة كبيرة داخل هاتفه المحمول، أو حاسوبه الخاص، والملاحظة المهمة في ظاهرة انتشار الكتاب الإلكتروني، تلك المنافسة الكبيرة مع المؤلفات الورقية المطبوعة بواسطة دور النشر، إلى درجة أن الكثير من المواقع والتطبيقات الخاصة بالنشر الالكتروني، بدأت باشتراط أن يبقى الكتاب إلكترونياً فقط؛ أي ألا يطبع ورقياً، بخاصة في الغرب، حيث صارت هناك دور نشر إلكترونية، أما على المستوى العربي فالهيمنة لا تزال للكتاب الورقي.

  • تنافس

أصبح الكتاب الإلكتروني مصدر جذب كبير للأجيال الجديدة، لكونه نتاج التكنولوجيا الحديثة، بالتالي، فإن تلك الأجيال الصغيرة في السّن، أكثر تعلقاً بالمؤلفات والكتب الإلكترونية التي تتمتع بالعديد من الخصائص، إذ تتميز بأنها لا تحتوي على ملفات نصية فقط، وإنما على تسجيلات صوتية وفيديو، وكذلك إمكانية الربط المباشر بالإنترنت، إضافة إلى إمكانية البحث الآلي ضمن الكتاب بحيث يمكن العثور على كل ما يتعلق بموضوع معين، أو فكرة معينة داخل الكتاب، كذلك الانتقال السريع بين الموضوعات المختلفة عن طريق استخدام الوصلات والروابط التي قد تنقلك إلى موضع آخر داخل الكتاب، وعلى الرغم من تلك الخصائص والمزايا الكثيرة للكتاب الإلكتروني، إلا أن المؤلفات الورقية لا تزال تهيمن بصورة أكبر، وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن الذين كوّنوا علاقة مع الكتب الإلكترونية، فضلوا العودة إلى الورقية لأسباب عدة، منها الهروب من أشعة أجهزة الكومبيوتر، والهاتف التي تحيط بالإنسان في كل مكان، كما أن هنالك أسباباً نفسية، منها العلاقة الحميمية بين القارئ والكتاب الورقي، وكذلك حب التملك، وعدد من الجوانب التي تجعل الكتاب الورقي يحتفظ بمكانته بين أجيال من القراء، وربما ستظل تلك المكانة باقية إلى فترة طويلة، حيث إن الكثير من الكتاب يفضلون النشر الورقي، الذي يشعرون بأنه أكثر جدية ويحقق لهم انتشاراً أكبر.

غير أن العديد من الخبراء يرون أن هذا التنافس في المستقبل قد يحسم بصورة كبيرة لمصلحة الكتاب الإلكتروني، بخاصة أن العديد من أجيال الغد ستتعزز علاقتها بالتكنولوجية، سواء من الكتّاب، أو القرّاء، وربما يحسم المستقبل الكثير من أخطار النشر الإلكتروني، وعلى رأسها عملية القرصنة وضياع حقوق المؤلفين، كما أن العديد من الكتاب الجدد يفضلون نشر إنتاجهم إلكترونياً، لأن ذلك الأمر يتم بكلفة أقل في ظل غلاء أسعار الورق، والمغالاة في الطباعة من قبل دور النشر التي تشتكي من ارتفاع كلفة إصدار الكتب الورقية.

  • ازدهار وتخصص

يرى البعض أن سوق الكتب الإلكترونية سوف يزدهر أكثر في العالم العربي بحيث تصبح هنالك دور متخصصة في النشر الإلكتروني فقط، والواقع أن هنالك حراكاً كبيراً في العالم العربي لتحويل المؤلفات الورقية إلى إلكترونية، بخاصة في مجال الكتب التراثية والمخطوطات، كما أن هناك نشاطاً أيضاً في هذا السياق، في ما يتعلق بالقوانين الخاصة بالنشر الإلكتروني، وكل ما يراق من حديث عن أن عصر الكتب الإلكترونية يرتبط بالزهد في القراءة يبدو غير حقيقي، فالذي تغيّر هو مفهوم المعرفة نفسه، وأدوات الاطلاع، فلم تعد المؤلفات الورقية هي الرافد، أو البوابة الوحيدة نحو عالم المعرفة، بل وكذلك الكتب الإلكترونية التي باتت تكسب أراضي جديدة في كل يوم.

وهنالك العديد من المواقع المتخصصة عربياً، لتحميل المؤلفات الإلكترونية المجانية، والتي تجد رواجاً كبيراً، وهي المواقع التي قد لا تقيم وزناً كبيراً لحقوق الملكية، أو النشر، لكنها رغم ذلك توفر المؤلفات المجانية للكثير من القراء، كما أن هناك منصات متخصصة لبيع الكتب، ربما أشهرها عربياً موقع «أمازون»، الذي يكتظ بالكثير من الكتب العربية، والمترجمة إلى لغة الضاد، وهناك متجر «جملون»، الذي يوفر الكتب العربية بمختلف مواضيعها، ويسهل عملية الحصول عليها، ومنصة «نيل وفرات»، لبيع المؤلفات والمجلات ويحتوى على قاعدة ضخمة من الكتب، إضافة إلى العديد من المواقع الأخرى التي سهّلت من عملية شراء وامتلاك الكتب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y3ufnvfy

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"