كاداريه حصان طروادة البلقاني

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

ولد في مدينة تقع جنوبي ألبانيا تدعى جيروكاستر، لأب يعمل ساعي بريد، وبالصدفة، يعثر في مكتبة أبيه على روايات أساسية في الأدب العالمي، سوف تحوّله إلى واحد من كبار الكتّاب في العالم، وبالصدفة، أيضاً، ستكون مدينته مسقط رأسه، ومسقط رأس أنور خوجة الديكتاتور الذي سيحكم بلاده بالحديد والدم، وسوف تتحول هذه المدينة إلى بنية سردية تراجيدية في روايته مدينة الحجر.

ذلك مقطع أوّلي سريع من حياة الروائي الألباني إسماعيل كاداريه (1936-2024)، وهو أيضاً شاعر عرفناه في ترجمة إلى العربية مبكرة قام بها عبد اللطيف أرناؤوط جاءت تحت عنوان «حصان طروادة يلقى حتفه»، فهل الروائي البلقاني الذي وظف أساطير بلاده في الكثير من كتاباته هو نفسه إسماعيل كاداريه؟

في كل الأحوال لم يلق صاحب «جنرال الجيش الميت» حتفه بالمعنى المفاجئ كأي حادثة تقع لشخص يقود سيارته مثلاً، بل هو أكثر الأسماء إضاءة في أوروبا الشرقية التي لقيت حتفها على يد الديكتاتورية الشمولية في النصف الثاني من القرن العشرين، غير أن الألباني الذي يحمل اسماً متداولاً عربياً وذاكرتياً في الثقافة الدينية بشكل خاص، عاش ثمانية وثمانين عاماً كتب خلالها أكثر من أربعين رواية، نقلت إلى أكثر من أربعين لغة في العالم، وفي كل مرة كان يقول إنه يكتب ببساطة أو بسهولة، لكنه يقول، أيضاً، إنه خائف دائماً من أن تكون هذه الكتابة كلها ليست جيدة، ومع ذلك، قيل عنه إنه كاتب إنساني عالمي، قريب دائماً من «نوبل».

يقول: «أعطاني الأدب كل ما أملكه اليوم»، ولكن أدبه لم يعطه «نوبل» التي كان مرشحاً مدرجاً على لوائح توقع الفوز بها، مثله مثل كبار الرواية في العالم الذين لم يحصلوا على هدية صانع الديناميت.

اختار إسماعيل كاداريه العيش والكتابة في فرنسا، لكنه لم يكتب بالفرنسية على العكس تماماً من زميله التشيكي ميلان كونديرا الذي ترك لغة بلاده في مسقط رأسه وجاء إلى باريس عارياً من لغة ذاكرته تلك، وارتدى الفرنسية كاملة، فيما كان رداء كاداريه لغته الألبانية المحدودة في نطاق تداولي ضيق..

لم تذهب «نوبل» إلى كاداريه، كما لم تذهب إلى كونديرا، والاثنان كانا شوكتين في حلق النظام الأيديولوجي الأحمر، والاثنان أيضاً عاشا في بيئة ثقافية وأيديولوجية مختلفة كلياً عن بلديهما اللذين كانا محكومين بالعنف والريبة والمطاردة، لكن اللافت في هذه المقاربات بين الرجلين أنهما لم يكونا حصاني طروادة، وكل من راهن على واحد منهما خسر الرهان.

الجنرال الطاغية أنور خوجة إلى النسيان، أما الحياة في مكان آخر بالنسبة لكونديرا، فكانت في ذاتيته الروائية وحدها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mryakyzb

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"