عادي

كتاب جديد يدافع عن «العالم الافتراضي»

20:03 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: الخليج

ما نسميه عالماً افتراضياً أصبح يستوعب تقريباً كل شيء: أجسادنا، وذكاءنا، ورسائلنا، ونصوصنا، وما نمتلك ونتبادل، كل هذا مسّته اليوم، حركة التحويل إلى الافتراضي، هذه الحركة السريعة والمعولمة مسّت حتى طرقنا في أن نكون معاً، إذ أصبح بالإمكان أن نكون مجموعة افتراضية، أو أصدقاء افتراضيين، أو مؤسسة افتراضية، أو ديمقراطية افتراضية.

هل علينا أن نخشى الانفصال العام عن الواقع؟ أم نخشى نوعاً من الاختفاء الشامل كما اقترح جان بودريار؟، هل نحن معرّضون لخطر قيامة ثقافية؟ أم لانهيار داخلي مخيف للزمكان، كما تنبأ بول فيريليو، منذ سنوات؟.

يدافع بيير ليفي في كتابه «عالمنا الافتراضي.. ما هو؟ وما علاقته بالواقع؟» (ترجمة د. رياض الكحال) عن فرضية مختلفة غير كوارثية من خلال التطورات الثقافية الجارية في منعطف الألفية الثالثة، برغم مظاهرها القاتمة، والمخيفة، التي لا يمكن إنكارها.

يشير إلى أنه لم يسبق أبداً أن كانت تغيرات التقنية والاقتصاد سريعة ومقوضة للاستقرار على هذا النحو، غير أن الافتراضي يشكل بحق جوهر الطفرة الجارية، أو طليعتها، وبالتالي فإن الافتراضي في حد ذاته ليس حسناً، ولا سيئاً، ولا حيادياً، إن الافتراضي لا يمت إلا بصِلة ضعيفة إلى الزائف، أو الوهمي، أو الخيالي، ليس الافتراضي ضد الواقعي أبداً، إنه على النقيض من ذلك، نمط وجود خصب وقوي يغني عمليات الإبداع، ويفتح آفاق المستقبل، ويحفر آباراً من المعاني تحت سطحية الوجود الفيزيائي الآني.

*جذور

عمل عدد من أعظم الفلاسفة على مفهوم الافتراضي، ومن ضمنهم بعض المفكرين الفرنسيين المعاصرين، مثل جيل دولوز، أو ميشيل سير، ولم يكتف هذا الكتاب بتعريف الافتراضي بأنه نمط وجود خاص، بل أراد مؤلفه أيضاً تحليل عملية التحول من نمط وجود إلى نمط وجود آخر، وإيضاحها، ويحلل التقليد الفلسفي وحتى البحوث الحديثة الانتقال من الممكن إلى الواقعي، أو من الافتراضي إلى الفعلي.

لم تحلل أية دراسة التحول المعاكس باتجاه الافتراضي، إن هذه العودة إلى البدايات، تحديداً هي التي تبدو علامة مميزة لحركة التحول الثقافي المتسارع الذي نعيشه اليوم في آن واحد.

ويرى المؤلف أن عدداً من المفكرين الفخورين بدورهم النقدي يعتقدون اليوم أنهم يقومون بعمل مشرّف بنشرهم البلبلة والذعر في موضوع الافتراضي، وبالنسبة إليه فقد أراد من خلال العمل على ترجمة المفاهيم والاندماج الثقافي، أن يرافق بعض معاصريه في جهودهم كي نعيش عيشة أقل خوفاً واستياء، وأراد أن يرسم خريطة الافتراضي.

لا علاقة للافتراضية أبداً بما يقال عنها في التلفزيون – حسبما يشير المؤلف – ولا علاقة لها بعالم مزيف أو خيالي أيضاً، وعلى النقيض من ذلك فإن «الافتراضي» هو دينامية العالم المشترك، وهو الذي نتقاسم الحقيقة من خلاله، ولا تهدف الافتراضية إلى تطويق مملكة الكذب، بل هي على وجه التحديد نمط الوجود الذي تنبثق منه الحقيقة، والكذب على السواء.

يتساءل المؤلف: لماذا يهتم كثير من الناس بالفن في الوقت الذي يصعب وصفه؟ ويرى أنه يمثل قمة الإنسانية لأسباب عدة، فلم يمارس أي جنس حيواني الفنون الجميلة، فالفن يعطي في الواقع شكلاً خارجياً وتظاهرة عامة لعواطف وأحاسيس يتم الشعور بها في حميمية الشخصية، ونحن نشعر بأن هذه العواطف هي ملح الحياة، على الرغم من عدم إمكان تلمّسها، وعلى الرغم من كونها عابرة.

يعطي المؤلف أمثلة على ذلك، فالويب هو بساط من المعنى حاكه ملايين الأشخاص، ويعاد وضعه على النول دوماً، ويؤدي الترقيع اليومي لملايين العوالم الشخصية إلى ظهور ذاكرة دينامية ومشتركة «مجسدة»، وقابلة للتصفح، نحن نعرف أنه كان لدى الناس شعور بأنهم يعيشون منعطفاً مهماً في كل حقبة تاريخية، ومثل هذا الانطباع يبقى نسبياً في الفترة المعاصرة.

*أسئلة

يتساءل المؤلف: ما الذي يجعل فضاء الإنترنت مثيراً للاهتمام إلى هذه الدرجة؟ إن نعته بالفوضوي هو طريقة رديئة، وخاطئة لوصف الأمور، إنه غرض مشترك دينامي يبنيه كل الذين يستخدمونه، أو على الأقل، الذين يغذّونه، وقد أصبح بالتأكيد متلازماً مع ما ميّز صناعته، وانتشاره، وتحسينه على يد المعلوماتيين، الذين كانوا في البداية مستخدميه الرئيسيين.

ويرى المؤلف أن للممكن والافتراضي ميزة مشتركة حتماً، تفسر الخلط المتكرر بينهما: كلاهما كامن وغير ظاهر، إنهما يعلنان عن مستقبل ما، أكثر من كونهما يهبان حاضراً، أما الواقعي والفعلي في مقابل ذلك فهما واضحان أو ظاهران، إنهما يستخفان بالوعود، وهما موجودان هنا بالتأكيد، فكيف يمكننا الآن أن نفهم الشرخ الكائن بين الممكن والحقيقي من جهة، والافتراضي والفعلي، من جهة أخرى؟.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4vypn2wp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"