عادي
أول سمراء تترشح للرئاسة الأمريكية

هاريس.. طريق البيت الأبيض مفروش بالحرير والأشواك أيضاً

23:39 مساء
قراءة 7 دقائق
كامالا هاريس
كامالا هاريس مع زوجها هادوغ ايمونهوف

د. أيمن سمير

هي نموذج في المثابرة والإصرار ومواجهة كل أشكال التحديات، إذا سقطت سرعان ما تعود وتقف من جديد، لا يحتوي قاموس حياتها على مفردات، مثل المستحيل والفشل والقبول بالواقع، تعودت على تلقي السهام، لكنها بارعة في التعافي من الجراح، قالوا: إنها تفتقر «للغريزة السياسية»، وإنها لم تنجح طوال مسيرتها السياسية - منذ أن كانت مدعياً عاماً لمدينة سان فرانسسكو - في بلورة «هوية سياسية» خاصة بها، لكنها رغم كل ذلك نجحت أن تستعيد الزخم والقوة من جديد، وعندما أوقفت مبكراً حملتها الانتخابية للرئاسة عام 2019 جرى وصفها بأنها «انتهت سياسياً»، وحتى عندما أصبحت «نائبة للرئيس» نعتها أعداؤها السياسيون داخل الحزب وخارجه، بأنها «نقطة الضعف» في جبهة الديمقراطيين، لكن ها هو الرئيس لم يجد أفضل منها لتكمل مسيرته في البيت الأبيض، وأعضاء الحزب أكدوا ترحيبهم بهذا الاختيار

القدر الذي أنصفها كثيراً في مواجهة خصومها السياسيين قرر أن يمنحها يوم السبت الموافق 21 يوليو 2024 «منحة من طراز خاص»، هذه المنحة ليس فقط في تمهيد الطريق لها نحو المكتب البيضاوي عبر انسحاب الرئيس جو بايدن من الانتخابات، بل بدعوة الرئيس الأمريكي بكل تاريخه وثقله لدى الأمريكيين لدعمها والاصطفاف خلفها، وهو ما قطع الطريق على منافسيها الآخرين، وأجهض في الوقت نفسه أي محاولة لعرقلتها في مؤتمر تسمية المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، الذي سوف يبدأ في سان فرانسيسكو من 19 إلى 22 أغسطس الجاري.

أتحدث عن نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، التي استطاعت في أيام معدودة أن تحصل على دعم أكثر من 3000 مندوب من مندوبي الحزب الديمقراطي، وهي تحتاج فقط لتأييد 1976، وفازت بالخطوة الأصعب، وهي تأييد ما يسمى «بالمندوبين الكبار»، الذين يصل عددهم لنحو 700 مندوب يشكلون أعمدة الحزب الديمقراطي في الولايات الخمسين، وهم رؤساء الحزب ونوابهم والمديرون التنفيذيون. كما أنها فازت بدعم حكام الولايات الديمقراطيين، وزعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر، وزعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز، وأجبرت تحركاتها السريعة العائلات الكبيرة في الحزب الديمقراطي على دعمها، مثل عائلتي أوباما و كلينتون، وهو ما يعني أن هيلاري كلينتون، وميشيل أوباما لن تترشحا في المؤتمر العام للحزب الديمقراطي، وهما اللتان كان ينظر إليهن باعتبارهن منافسات لكامالا هاريس لو تخلى بايدن عن الترشح، وحصلت هاريس على دعم وتأييد شخصيات وازنة على المستوى الوطني مثل السيناتورة إليزابيث وارن، ناهيك عن الدعم الكامل وبلا شروط من الشخصيات التي كانت توصف بأنها منافسة لها، مثل حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم، وحاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو، وحاكمة ولاية ميتشجان جريتشن ويتمر. وحتى ترشيحها رسمياً من المؤتمر العام للحزب الديمقراطي ينتظر كامالا هاريس مجموعة من الأسئلة المفصلية حول قدرتها على توحيد الحزب الديمقراطي قبل 5 نوفمبر القادم، وإلى أي مدى تستطيع تحفيز السود والملونين والمستقلين للتصويت لها؟ وكيف ستقدم نفسها إلى الشعب الأمريكي والعالم خلال جولاتها الانتخابية ومناظراتها التلفزيونية مع دونالد ترامب، الذي يشترط تسمية الحزب لها رسمياً قبل أي قرار بقبول المناظرة معها؟

  • روح جديدة

منح انسحاب الرئيس جو بايدن ودخول هاريس للسباق الانتخابي «روح جديدة» للديمقراطيين، وأدخلت هاريس حسابات جديدة يمكن أن تغير معادلات الناخب الأمريكي قبل الوقوف في طابور التصويت في الانتخابات الرئاسية يوم 5 نوفمبر القادم، فبدلاً من الاستراتيجيات الدفاعية التي كان يتبناها الحزب الديمقراطي حول سن الرئيس بايدن، وأن عمره الطويل يعني مزيد من الخبرة والحكمة، بات على الديمقراطيين أن يؤمنوا بمقولة نيكي هايلي المرشحة في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، التي قالت: إن «الحزب الذي سيغير مرشحه الأكبر سناً بمرشح أصغر سوف يفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة»، وكانت هايلي حينذاك تريد الترشح بدلاً من دونالد ترامب. وهناك مؤشرات كثيرة حول هذه «الروح الجديدة» من بينها أموال التبرعات الضخمة التي جمعتها حملة هاريس في أيام قليلة. كما أن عدد الناخبين الذين سجلوا أسماءهم بعد إعلان هاريس ترشحها تضاعف 700%، واستئناف كبار الفنانين والشخصيات العامة دعمهم وتأييدهم للديمقراطيين، وبعد أن كان المرشح الجمهوري يتفوق في جميع استطلاعات الرأي ضد الرئيس جو بايدن تغيرت أرقام الاستطلاعات الجديدة، التي كشفت عن نجاح هاريس في تقليص هذه الفجوة، وبات تفوق ترامب فقط ضمن أرقام هوامش الخطأ التي لا تزيد على 3 نقاط فقط، والتحركات السريعة التي قامت بها هاريس -التي قالت إنها ستقاتل من أجل الفوز بالبيت الأبيض- أفقدت الجمهوريين الزخم الذي جاء مع محاولة اغتيال المرشح الجمهوري، فما هي نقاط القوة، وعوامل الضعف التي يمكن أن تؤثر في مسيرة هاريس نحو الحلم بأن تكون أول امرأة، وأول امرأة سوداء تفوز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية؟

  • نقاط القوة

يتبقى لهاريس أقل من 100 يوم قبل إجراء الانتخابات لتثبت أنها «الخيار الصحيح» للأمريكيين، ولذا فإن أي خطأ قد لا يمكن إصلاحه في ظل هذا الوقت المتبقي حتى 5 نوفمبر، ولهذا سوف تعمل هاريس على تعزيز «نقاط القوة» التي تتمتع بها وهي:

  • أولاً: امرأة سوداء

وهذا وحده كافٍ لإعطاء زخم غير مسبوق لحملتها الانتخابية، فكثير من الأمريكيين عبروا كثيراً عن أمنياتهم بأن تنجح امرأة سوداء في الوصول للبيت الأبيض بعد نجاح الرئيس الأسبق باراك أوباما في الفوز بانتخابات نوفمبر 2007 على المرشح الجمهوري الراحل جون ماكين، الأمر الذي يدفع بقاعدة عريضة لدعم هاريس من النساء والسود والملونين، خاصة أن هاريس تتبنى قضايا هؤلاء، مثل قضايا الدعم الاجتماعي للفئات الفقيرة والصحة الإنجابية، وسوف تتضاعف مكاسب هاريس بين هذه الفئات لو وجدت دعماً حقيقياً على الأرض من جانب شخصيات نسائية، مثل ميشيل أوباما، وهيلاري كلينتون وأوبرا وينفري.

  • ثانياً: خبرة نائب الرئيس

لن تبدأ هاريس رئاستها للولايات المتحدة من الصفر لو فازت في الانتخابات القادمة، فهي شاركت في جميع القرارات، وعاشت كل المواقف التي مرت بها إدارة جو بايدن منذ 20 يناير 2021 وحتى 5 نوفمبر القادم، وهو ما يجعلها أفضل عملياً من كل الوجوه والمنافسين الديمقراطيين الذين جرى الحديث عنهم مثل حكام كاليفورنيا وميتشجان وبنسلفانيا، وبالإضافة إلى خبرتها كمدعي عام لولاية فلوريدا، وعضويتها في الكونجرس أضافت لكل ذلك خبرة 4 سنوات في البيت الأبيض، وهي بذلك لا تقل خبرة عن المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

  • ثالثاً: التوازن

تحليل سلوك وتصريحات هاريس خلال سنواتها في البيت الأبيض يقول بوضوح: إنها تتسم «بالتوازن» وتستطيع تحريك كل الأدوات بما يخدم المصالح الأمريكية سواء في الشؤون الداخلية أو في الملفات الخارجية، فهي تستطيع أن تتبنى نهجاً شاملاً ومتكاملاً في مختلف الملفات، وفي الخارج تستطيع أن توازن بين «الحوار والعقوبات»، وبين «البندقية والدبلوماسية».

  • رابعاً: الخبرات القانونية

أقوى سلاح في يد كامالا هاريس أنها ذات ماضٍ نظيف وتمتلك خبرة قانونية هائلة، فخلال حملتها للفوز بالانتخابات الرئاسية في الجولات التمهيدية للحزب الديمقراطي عام 2019، وخلال الثلاث سنوات ونصف السابقة لم يثبت عليها أي اتهام أو خطأ فادح.

  • خامساً: سيناريو 2016

أكثر ما تخشاه حملة هاريس أن يتكرر معها سيناريو 2016 حيث لم تشارك قطاعات كبيرة من الديمقراطيين في مقدمتهم الشباب في التصويت، وكان هذا بسبب تدخل مؤسسة الحزب الديمقراطي التي دفعت بهيلاري كلينتون بدلاً من المرشح الديمقراطي الأكثر شعبية في ذلك الوقت السيناتور بيرني ساندرز، ولهذا لم يذهب أنصار ساندرز للانتخابات في نوفمبر 2016، ويعود سبب الخوف من تكرار هذا السيناريو لقول بعضهم في واشنطن: إن هناك من أجبر الرئيس بايدن على الانسحاب، ويشيرون بأصابع الاتهام إلى الرئيس الأسبق باراك أوباما وعائلة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وإن كلاً من كلينتون وأوباما كانا يريدان إفساح الطريق أمام هيلاري كلينتون وميشيل أوباما للترشح للرئاسة، ووفق هذه الرواية، فإن ذكاء بايدن وإدراكه لهذا المخطط دفعه للانسحاب.

  • عوامل الضعف

رغم كل ما تتمتع به كامالا هاريس من عناصر القوة إلا أن حملة دونالد ترامب بدأت تجهز الملفات والقضايا التي سوف تستهدف من خلالها وقف الزخم والاندفاعية التي رافقت الإعلان عن ترشح كامالا هاريس، وتدور اتهامات الجمهوريين حول عدد من الموضوعات وهي:

  • أولاً: ولاية ثانية لبايدن

أولى الاتهامات التي يقصف بها الجمهوريون كامالا هاريس أنها لا تملك رؤية أو تصور خاص بها، وأن ولايتها في البيت الأبيض سوف تكون ولاية ثانية لجو بايدن، ليس فقط بسبب الولاء المطلق من جانب نائبة الرئيس لرئيسها، بل لأنها لم تبلور أي تصور يختلف حتى في الأدوات وليس في الأهداف عن جو بايدن، ولهذا يلصق الجمهوريون بكامالا هاريس كل السلبيات التي رافقت ولاية جو بايدن سواء ما يتعلق بارتفاع التضخم خاصة أسعار الطاقة التي زادت بنسبة 70%، وأسعار البقالة التي زادت على 50%، ومعاناة الكثير من الولايات من ظاهرة «الأرفف الفارغة»، والنقص الحاد بعض الشهور في حليب الأطفال، ومنذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية عانت الكثير من العائلات الأمريكية من التضخم وضعف حزم المساعدات الاجتماعية، وأكثر الأوراق التي يستغلها الجمهوريون في هذا الملف يتعلق بسقف الديون الأمريكية التي وصلت لمستوى قياسي بنحو 33 تريليون دولار، واتهام هاريس بأنها يسارية سوف تفرض مزيد من الضرائب على الشركات والأغنياء من أجل توزيعها للحصول على أصوات انتخابية، وربما هذا ما يفسر دعم كبار رجال الأعمال ومنهم إيلون ماسك وقيادات وادي السليكون لدونالد ترامب

  • ثانياً: الحدود والهجرة

وهي ورقة يملك فيها الجمهوريون أفضلية كبيرة، ليس فقط لاستمرار الفوضى على الحدود المكسيكية الأمريكية، بل لأن الرئيس بايدن كلف كامالا هاريس منذ عام 2021 بملف الهجرة والحدود، ولم تحقق فيه نتيجة كبيرة، في المقابل لدى الجمهوريين والرئيس ترامب أفكاراً واضحة حتى لو كانت مرفوضة من بعضهم، مثل استكمال بناء الجدار على الحدود المكسيكية الأمريكية، وتعهد ترامب بطرد 20 مليون مهاجر غير شرعي، وأن أول قرار سيتخذه ترامب فور دخوله البيت الأبيض هو إلغاء حق حصول الأطفال على الجنسية الأمريكية لمجرد ولادتهم على الأراضي الأمريكية.

  • ثالثاً: أمريكا الضعيفة

في مقابل شعار «ماجا» الذي يرفعه الجمهوريون «لنجعل أمريكا قوية وعظيمة من جديد» يتهم الرئيس ترامب المرشحة الديمقراطية بأنها شريكة للرئيس بايدن في دفع العالم لعدم احترام أمريكا، ويقول: إن اندلاع الحروب ومنها الحرب في الشرق الأوسط وقبلها الحرب الروسية الأوكرانية ما كانت لتحدث إلا بسبب ضعف القيادة الأمريكية، وهي اتهامات لم يرد عليها الديمقراطيون بشكل يقنع المترديين والمستقلين الذين يخشون مزيد من الحروب لو جاءت كامالا هاريس في مقابل تأكيد الرئيس ترامب أن ولايته الأولى لم تشهد أي حروب لأن العالم كان يحترم أمريكا حسب تعبيره.

المؤكد أن كامالا هاريس اخترقت الكثير من الحواجز، ووصلت لنقطة لم تصل إليها أي امرأة أمريكية من قبل، وسوف يكون أمامها أقل من 100 يوم فقط لتحقيق حلم جديد، وهو الفوز بالرئاسة الأمريكية.. ورغم ذلك فالحقيقية الواضحة لكمالا ومؤيديها أن الوصول لمقعد الرئاسة الأمريكية ليس سهلاً ومملوءً بصعوبات متعددة.. لذا فهي تعلم يقيناً أن «الطريق إلى البيت الأبيض مفروش بالحرير وبالأشواك أيضاً».. والأيام المقبلة ستؤكد ذلك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/55vtfwyp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"