عادي

قضية «اعتداء بئر السلم» تهز جنبات الـ«سي أي إيه»

20:18 مساء
قراءة 4 دقائق

إعداد محمد كمال

في الوقت الذي تستعد هيئة محلفين في فرجينيا الأمريكية للاستماع إلى شهادات في قضية «اعتداء بئر السلم» التي أحدثت ضجة وهزة شديدة داخل وكالة المخابرات المركزية (CIA)، فقد تكشفت تفاصيل كثيرة عما يجري داخل الوكالة العريقة، والتي أجبرت الإدارة على التعامل بشكل أكثر جدية مع هذه النوعية من الشكاوى، حتى لو تطلب الأمر الكشف عن هوية عميل سري.

وتتمحور القضية حول مزاعم مفادها أنه في يوليو/ تموز 2022، حاول ضابط في وكالة المخابرات المركزية خنق زميلته بوشاح وتقبيلها على الدرج في مقر الوكالة بفرجينيا، لكنه يصر على نفي الاتهامات.

ويُعتقد أن هذا هو الادعاء الوحيد بالاعتداء من قبل ضابطة تابع لوكالة المخابرات المركزية ضد زميل لها لتقديمه إلى المحاكمة كجزء من حركة Me Too (لمكافحة التحرش) داخل الوكالة، والتي شهدت سيلاً من الشكاوى من قبل موظفات قلن إن المسؤولين تجاهلوا ادعاءاتهن أو أساؤوا التعامل معها، ما أسفر عن الفشل في حمايتهن.

وقبل عام، وجد قاضٍ في مقاطعة فيرفاكس بولاية فرجينيا أن المدّعى عليه، ويدعى أشكان بياتبور، مذنب في جنحة اعتداء وضرب. وشهدت زميلته في العمل أن بياتبور حاول خنقها بوشاح وتقبيلها في درج مبنى مقر وكالة المخابرات المركزية. ونفى بياتبور هذه الاتهامات واستأنف الحكم. وبموجب قانون ولاية فرجينيا، أبطل ذلك إدانته وأعطاه الحق في محاكمة جديدة أمام هيئة محلفين.

  • أوضاع مضطربة

ومن اللافت أن بياتبور والضحية المفترضة قدما رويات تتعارض بشكل كبير في جوانب رئيسية. ومن ثم سيكون الأمر متروكاً لهيئة المحلفين هذا الخريف لتقييم الشهادة والأدلة في محاكمة من المؤكد أنها ستلفت الانتباه إلى الإدارة المضطربة بشأن شكاوى سوء السلوك داخل مقر وكالة المخابرات المركزية، إذ يفترض أن تكون مثل هذه التحقيقات السرية ذات أهمية قصوى، بحسب صحيفة واشنطن بوست.

وفي يناير/ كانون الثاني 2023، تواصلت زميلة بياتبور السابقة مع لجنة المخابرات بمجلس النواب لإبلاغها بادعاءاتها، مما أدى إلى إجراء تحقيق شامل في مزاعم التحرش في وكالة المخابرات المركزية، والذي شمل مقابلات مع 26 من المبلّغين عن المخالفات. وخلص التحقيق إلى أن الوكالة «فشلت» في التعامل مع تقارير الانتهاكات «بالطريقة المهنية والموحدة مع مثل هذه الادعاءات الحساسة». وطلبت لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ إجراء تحقيق من قبل المفتش العام لوكالة المخابرات المركزية، والذي وجد أن جهود الوكالة في الوقاية والاستجابة لم تكن كافية.

ومنذ ذلك الحين، يتم تعيين داعمين فرديين للموظفين الذين يتصلون بمكتب الاستجابة والوقاية من التحرش والاعتداء التابع للوكالة، والذين يشرحون لهم سبل الإنصاف المتاحة، بما في ذلك الحق في متابعة تهم جنائية حتى لو كان ذلك يعني تحديد زميل يعمل متخفياً. رغم أنه بشكل عام من غير القانوني الكشف عن اسم ضابط سري في الوكالة، وهو تعقيد جعل بعض الضحايا يخشين أن ينتهي بهن الأمر إلى المحكمة لمجرد سعيهن لتحقيق العدالة.

كما أنشأت الوكالة أيضاً خطاً ساخناً يعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لتلقي الشكاوى. وقالت تاليتا جاكسون، وهي عالمة نفسية تم تعيينها العام الماضي لقيادة هذه الجهود، في أول مقابلة لها كرئيسة للمكتب الجديد: «نحن في طريقنا لتصحيح هذا الأمر».

وفي بيان، قال مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام بيرنز، إن الوكالة «قامت بعدد من الإصلاحات المهمة لتعزيز نهجنا.. ولا يزال أمامنا عمل يتعين علينا القيام به، وعلينا أن نقوم بهذا الأمر بشكل صحيح».

  • روايات متنافسة

ومن خلال روايتيهما، كان الاثنان ودودين. والتقيا في مارس 2022، بعد وقت قصير من انضمامهما إلى الوكالة، وتم تعيينهما في نفس فئة المتدربين في مديرية عمليات الخدمة السرية للوكالة. وكان لديهما بعض الاهتمامات والخلفية المشتركة. فبياتبور جندي احتياطي في البحرية، وكانت زميلته متزوجة من جندي في البحرية ونشأت في عائلة تابعة للبحرية. كما عملت أيضاً كمقاولة لوزارة الدفاع. وكلاهما انضما إلى الوكالة في الثلاثينيات من عمرهما. وقالت: «لم نكن خريجين جامعيين جدداً.. لذلك كان لديهما القليل من القواسم المشتركة» على الصعيد المهني مقارنة بالمتدربين الأصغر سناً».

  • رسائل نصية

وفي المحكمة، يعتزم بياتبور تقديم رسائل نصية تبادلها الاثنان عبر شبكة داخلية لوكالة المخابرات المركزية كدليل، والتي قال إنها ستثبت أنهما كانا يمارسان «مزاحاً» يتسم بحس مشترك من الفكاهة السوداء. وقال إن علاقتهما تشكلت أثناء تدريب الضباط، وهي فترة مكثفة لأي مجند تتضمن الدراسة في الفصول الدراسية والتعليم الميداني في معسكر تدريب الوكالة، المعروف باسم المزرعة. وقال محامي بياتبور إن الرسائل تحتوي على «أدلة تبرئة» تظهر أن الاثنين ناقشا بشكل متكرر حياتهما الشخصية واهتماماتهما.

ويعترف بياتبور بوضع الوشاح حول أكتاف زميلته، لكنه قال إنه لم يخنقها أو يحاول تقبيلها. وقال إن الحادث الذي وقع في «بئر السلم» له جذوره في نكتة مشتركة غالباً ما كان الاثنان يلقيانها. وقال محاميه أمام المحكمة إن الرسائل النصية تظهر أن ما حدث في الدرج لم يكن اعتداءً عنيفاً. لكن الضحية المفترضة وصفت الرسائل النصية بأنها دليل على تقدمه المخيف غير المرحب به. وقالت إنها طلبت منه شخصياً التوقف عن إرسال رسائل ملأى بالتلميحات.

  • تاريخ من التحرش

ووفق تقرير واشنطن بوست فإن ما ليس موضع خلاف هو التاريخ القبيح لوكالة المخابرات المركزية مع التحرش، ولسنوات، واجهت الضابطات اللاتي يخدمن في مناصب حساسة في الخارج محاولات غير مرغوب فيها، وتعليقات مؤثرة وبذيئة من زملائهن الذكور، وفقاً لمسؤولين حاليين وسابقين، وكذلك الضحايا. وزعم البعض أنهن تعرضن للاعتداء.

ومن النادر أن يتم تسليط الضوء على الأخطاء الداخلية لوكالة المخابرات المركزية في محاكمة علنية، ومن المرجح أن تؤكد هذه القضية على بعض أوجه القصور في كيفية استجابة الوكالة لمزاعم الانتهاكات في مكان العمل.

وقالت الضابطة السابقة، بالإضافة إلى موظفات أخريات تعرضن للتحرش في وكالة المخابرات المركزية، إن مسؤولي الوكالة طلبوا منهن عدم إبلاغ سلطات إنفاذ القانون وحذروهن من أن الكشف عن اسم ضابط سري لجهة غير مصرح قد يؤدي إلى محاكماتهن جنائياً، لكن ذلك تغير الآن.

وكشفت وكالة أسوشيتد برس أن المحاكمة «كانت رائعة لأنها اخترقت حجاب السرية الفائقة لوكالة المخابرات المركزية، معتبرة أن القضية بلاشك مصلحة عامة». واستقال بياتبور من وكالة المخابرات المركزية في ديسمبر 2023.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/kfrtf7kf

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"