«الفيدرالي» والتخلف عن الركب

21:29 مساء
قراءة 4 دقائق

مايك دولان*

على الرغم من كل التقلبات المالية الجامحة والتداولات المحمومة قبل أسبوع، لم تُسعر الأسواق بعد موقف السياسة النقدية لبنك الاحتياطي الفيدرالي الذي من شأنه أن يحفز الاقتصاد بنشاط في أي وقت خلال الدورة التي تستمر عامين.

وفي حين أن هذا قد يسلط الضوء على مخاوف المستثمرين المستمرة بشأن التضخم الثابت، فإنه يعكس على الأرجح شكوكهم في اختمار بعض الركود العميق بالفعل. ويشير بوضوح أيضاً إلى ضرورة رفع الفيدرالي قدمه عن الفرامل للحفاظ على استمرار الرحلة التوسعية.

لقد شعرت الأسواق بالفزع من الارتفاع الحاد المفاجئ في معدل البطالة في الولايات المتحدة الشهر الماضي، وتفاقم الأمر بسبب هزة أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى. ومع ارتفاع حدة التقلبات، سارعت الأسواق إلى تسعير سلسلة من التخفيضات العميقة لأسعار الفائدة من قِبل الفيدرالي على مدى الأشهر المقبلة.

وقبل شهر واحد فقط، أشارت أسعار العقود الآجلة إلى أنه كان من المتوقع أن يتم خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة فقط خلال بقية العام، ولكنها تُظهر الآن توقعات بضعف هذا الرقم (حوالي 115 نقطة أساس) في آخر إحصاء.

ومن بين سلسلة من التكهنات التي جرى تعديلها سريعاً، يتوقع بنك «جيه بي مورغان» الآن خفضين بمقدار نصف نقطة في كل من سبتمبر ونوفمبر، يليهما خفض بمقدار ربع نقطة في ديسمبر. وهو ما قد يبدو مبالغاً فيه بعض الشيء، لكن يعكس بالتأكيد تقلبات السوق الحالية في أغسطس.

لا يوجد شك الآن في أن «الفيدرالي» سيبدأ خفض أسعار الفائدة الشهر المقبل، ولكن من غير المعروف بعد أين سينتهي، وإشاراته بشأن ذلك كانت واضحة للغاية في اجتماع الأسبوع الماضي.

في السياق ذاته، وعند النظر إلى أسعار العقود الآجلة وسوق المال، فإن ما يسمى بسعر الفائدة النهائي على مدى الأشهر ال18 المقبلة لم ينخفض قط إلى ما دون 2.85%، حتى خلال الجزء الأكثر تطرفاً من الاضطرابات. وهذا بعيد كل البعد عن متوسط السعر الحالي البالغ 5.38%.

ولكنه لا يزال أعلى من «معدل الفائدة المحايد» الذي يراه صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي على المدى الطويل، ويُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره وكيلهم لمعدل (*R) الأسطوري، الذي لا تكون فيه السياسة النقدية انكماشية ولا توسعية. ويبلغ متوسط سعر الفائدة على المدى الطويل حالياً 2.8% بعد أن رفعه مسؤولو المركزي بمقدار 30 نقطة أساس هذا العام.

لذا، إذا كانت أسواق المال القلقة لا تعتقد أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يضطر إلى النزول عن ذلك، فلا يمكن أن نتوقع أن يكون التباطؤ في المستقبل سيئاً إلى هذا الحد، على الرغم من كل القلق الذي انتابنا في الأيام الأخيرة. ويشير هذا على أقل تقدير، إلى أن الأسواق تظل مترددة بشأن الركود وتعتقد أن إزالة «قيود السياسة» قد تكون كافية في حد ذاتها للحفاظ على المسار.

ويمكن النظر إلى الأمر من زاوية أخرى، وهي سعر الفائدة الحقيقي المعدل وفقاً للتضخم الصادر عن الفيدرالي، وكيف ارتفع بشكل مطرد من الصفر منذ إبريل 2023 مع بدء الانكماش. ويبلغ حالياً 2.5%، وهو أعلى مستوى له منذ 17 عاماً.

إذا تبين أن دورة التيسير الكاملة التي ينفذها بنك الاحتياطي الفيدرالي هي 250 نقطة أساس التي اقترحتها الأسواق الأسبوع الفائت، وظل تضخم أسعار المستهلك مرتفعاً عند 3% خلال تلك الفترة، فإن سعر الفائدة الحقيقي سيعود ببساطة إلى الصفر عند أدنى مستوياته.

ضع في اعتبارك أن متوسط سعر الفائدة الحقيقي على مدى السنوات ال15 الماضية كان (-1.4%)، لذا فإن العودة إلى الصفر لا تعني أن الفيدرالي يتجه إلى أي شيء يشبه وضع الطوارئ. فهل كل هذا مجرد تكهنات؟ لدى أكبر مؤسسة مالية في العالم ستة أسابيع مزدحمة لتوضيح كل شيء.

في الأثناء، يشير مسؤولو الفيدرالي إلى أنهم ليسوا قلقين للغاية بشأن الركود حتى الآن ولكن يبقى كل شيء مطروحاً على الطاولة. كما يصرون على أنهم سيستمرون في إجراء تقييمات اجتماعاً تلو الآخر، وأن شهراً واحداً من البيانات أو الاضطرابات في السوق لن يغير آراءهم بشكل كبير. وألمحت رئيسة الفيدرالي في سان فرانسيسكو ماري دالي، بشكل غامض، إلى أن المركزي مستعد لتلبية احتياجات الاقتصاد عندما تتضح ماهيتها.

اليوم، ومع تراجع سوق العمل، يبدو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يزال مستعداً لخفض أسعار الفائدة في سبتمبر، وهي الخطوة التي ستصاحبها أيضاً تحديثات لتوقعات صناع السياسات، بما في ذلك معدل الفائدة المحايد في الأمد البعيد. وقبل ذلك، تنتظرنا ندوة جاكسون هول السنوية المهمة، والتي يكشف الفيدرالي خلالها مزيداً من التفاصيل على المدى الأطول. وبحسب تقدير كريستينا كوبر، الاستراتيجية في «إنفيسكو»، أخطأ المركزي بعدم خفض أسعار الفائدة الأسبوع الماضي، ولكن هذا لن يسبب ضرراً لا يمكن إصلاحه للاقتصاد. وبالنسبة لعمليات البيع الواسعة التي شهدتها الأسواق، هي مجرد رد فعل عاطفي للغاية في سوق يبالغ في تقدير احتمالات الركود، وربما غير قادر على تسعيره على الإطلاق.

*محرر الأسواق المالية في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/vujjcbwk

عن الكاتب

محرر الأسواق المالية في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"