الجمهوريون بين فجوات «العجز» و«الديون»

22:17 مساء
قراءة 3 دقائق

ألكسندر ويليام سالتر

يتجه الجمهوريون نحو انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني ذات المخاطر العالية، ويبدو أنهم نسوا، للأسف، بعض المبادئ المحافظة المهمة. حيث تميز برنامج الحزب الجمهوري لعام 2024 بتغافله الكبير عن بعض الأمور، وفي مقدمتها، افتقاره إلى الالتزام بالمسؤولية المالية.
لا شك أن الخطاب الجمهوري تجاوز منذ فترة طويلة سياسات الجمهوريين أنفسهم عندما يتعلق الأمر بضبط الإنفاق. ومع ذلك، فإن تغيير النبرة الخطابية له مغزى. فهناك اختلاف كبير بين التقصير في تحقيق معيار والتخلي عنه تماماً.
وبينما لا تظهر كلمة «دين» في البرنامج المحدد، بات وجود كلمة «العجز» أساسياً، ولكن فقط في سياق التجارة الدولية «عجز التجارة». وبصرف النظر عن سطرٍ عابر حول «خفض الإنفاق الحكومي المسرف»، لا يوجد في الوثيقة ما يشير إلى أن الجمهوريين يهتمون بالحكمة المالية.
إن تجاهل المشكلة لا يجعلها تختفي، وعجز الميزانية الدائم والديون الوطنية المتزايدة يهددان الاقتصاد، ويفاقمان الكراهية الحزبية، ويعرضان الأمن القومي للخطر. وإذا كان المحافظون يدورون حول الحفاظ على مبادئنا التأسيسية، فإن تخلي الحزب الجمهوري عن ضبط الإنفاق هو أحد أكثر التحولات السياسية المناهضة للمحافظين في جيل واحد.
والجدير بالذكر أن الإنفاق الحكومي الذي يتجاوز الإيرادات وعائدات الضرائب، يضر بالنمو الاقتصادي. وللتعويض، تقترض البلاد أكثر، وهذا يحول رأس المال بعيداً عن الأسواق الخاصة. وبدلاً من أن يمول رأس المال الاستثمارات لزيادة الإنتاجية في المستقبل، يتم إعادة توجيهه إلى الاستهلاك الحالي، وبالتالي يحرم الأجيال القادمة من مستويات معيشية أعلى.
وهناك أيضاً مشكلة اقتصادية أخرى مع العجز، وهي أنه يمكن أن يؤجج التضخم. فعندما تنفق الحكومات أكثر مما ينبغي، قد تشعر البنوك المركزية بأنها ملزمة بتشغيل مطبعة النقود لتخفيف شروط الاقتراض. وبالتالي، فإن العجز والديون غالباً ما يجلبان انخفاض القيمة الحقيقة للعملة.
انظر إلى استجابة السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي للوباء. لقد أراد البنك المركزي الأمريكي استقرار سوق الديون الحكومية. ولتحقيق هذه الغاية، اشترى أكثر من 50% من الديون الحكومية التي تراكمت حديثاً، ودفع ثمن تلك الديون بأموال مطبوعة حديثاً أيضاً. ومع تفوق نمو الأموال على الطلب، ارتفعت الأسعار في كل مكان.
وفي السياق، وضعت دورة العجز والديون، ولا تزال، إشارات استفهام كثيرة حول السياسات الحزبية للبلاد. فقد زادت نسبة الإنفاق الفيدرالي على خدمة الديون بشكل حاد منذ أزمة كوفيد، وأصبحت تكاليف الاقتراض الحكومي أعلى بكثير الآن مما كانت عليه على مدى السنوات العشر الماضية. علاوة على ذلك، تستهلك مدفوعات الفائدة اليوم المزيد من الميزانية الفيدرالية، ما يترك القليل لإنفاقه على الأولويات السياسية المهمة. ولأن الجمهوريين والديمقراطيين يختلفون حول ماهية هذه الأولويات، فإن الضغوط المالية الناتجة عن ذلك تعمل على تضخيم الانقسامات الحزبية والصراعات بين الساسة لمجرد الحفاظ على حصتهم من الكعكة المتقلصة.
يشكل الدين المفرط تهديداً للأمن القومي. فلم نعد نعيش في عالم أحادي القطب، والقوى المتنافسة الأخرى مثل الصين وروسيا باتت أقوى من أي وقت مضى. والصراع المسلح احتمال حقيقي. وفي ضوء ذلك، لا بد أن تكون الولايات المتحدة قادرة على زيادة الإنفاق الدفاعي بسرعة إذا اندلع صراع عالمي، مثلما فعلت في أربعينيات القرن العشرين. وهذا أمرٌ ممكن بالنسبة لأمة ذات مستويات ديون منخفضة فقط، لكنه يصبح أكثر تعقيداً وصعوبة مع ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. وتبنّي ضبط النفس خلال الأوقات الهادئة يُفسح المجال للتوسع عند الأوقات المضطربة.
وأخيراً، عندما يتعلق الأمر بالإنفاق الحكومي، ينبغي للحزب الجمهوري أن يعود إلى جذوره. ففي الصيف الماضي، عرضت مجموعة من المحافظين الملتزمين بالعقيدة التاريخية لأمريكا نهجاً أفضل للمسائل المالية. وأعلن هؤلاء المحافظون من أنصار الحرية أن السياسات الحكومية المضللة تجعل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والطاقة وغيرها، بعيدة المنال بالنسبة لكثير من الأمريكيين، وأدركوا أن الديون الفيدرالية المرتفعة، تشكل تهديداً وجودياً يعرقل الازدهار والحرية والسعادة والرفاه المستقبلي للأفراد والأسر. وهذا هو النهج الصحيح للتعامل مع العجز والديون.
لا بد من القول إن الجمهوريين على حق في تغيير برنامجهم لمعالجة التحديات السياسية الجديدة. ولكن لا ينبغي لهم أن يتخلوا عن الأولويات المحافظة. فإذا لم يكونوا جادين في ضبط الإنفاق، فلن يكونوا كذلك في الحفاظ على أي شيء.
*أستاذ الاقتصاد بكلية «رولز» للأعمال في جامعة تكساس للتكنولوجيا، وزميل أبحاث الاقتصاد المقارن في معهد السوق الحرة (المعهد الأمريكي للأبحاث الاقتصادية)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3jk3cy57

عن الكاتب

أستاذ الاقتصاد بكلية «رولز» للأعمال في جامعة تكساس للتكنولوجيا، وزميل أبحاث الاقتصاد المقارن في معهد السوق الحرة

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"