عادي

تاريخ موجز للسعادة

23:52 مساء
قراءة دقيقتين

القاهرة: «الخليج»
يشهد الغرب اليوم تضخماً حقيقياً يخص تناول فكر السعادة، وانتشاراً غير مسبوق لمؤلفات تزعم لنفسها الصبغة الفلسفية، وتستند إلى الحكمة القديمة من البوذية، إلى الطاوية، إلى الرواقية، وتتبهرج في هذا السياق باستعارات خاصة بنظريات التنمية البشرية القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية، وبموضة العمل على تطوير الشخصية من خلال التدريب، وبعلم النفس المسمى «إيجابيا».
لوك فيري في كتابه «مفارقات السعادة.. سبع طرائق تجعلك سعيداً» (ترجمة أيمن عبد الهادي)، يقدم لنا تاريخاً موجزاً للسعادة، وهو مدخل تاريخي وفلسفي، يقودنا إلى قناعة أساسية مفادها أن فكرة السعادة ذاتها هي جدلية تتعارض فيها الآراء، وتعد السعادة في نظر البعض الهدف من الحياة البشرية، وكذلك الحيوانية، ويرى هؤلاء أن السعي إلى بلوغها هو الحكمة القصوى، فنحن جميعاً نبحث عن السعادة فقط، «حتى أولئك الذين يقدمون على الانتحار»، كما قال باسكال.
نحن ندرك بوضوح ما يجعلنا تعساء لكن يصعب علينا تحديداً معرفة ما يسعدنا بالدرجة نفسها من الوضوح، عرفنا قطعاً في حياتنا أوقاتاً من الفرح، وفترات من السكينة، ويمكن، كما سنرى فيما بعد، أن نسعى إلى مثل هذه الأوقات، لكن الوعد بتحقيق سعادة دائمة من خلال مجهود يبذله الإنسان وحده بفضل تمارين روحية تتمركز حول ذاته، يكاد يكون نوعاً من الضلال الفكري.
هكذا يبدو أن الشرط الإنساني هو ما يكرس جوهرياً فكر السعادة، بوصفها فكرة هشّة، وهذا سبب إضافي للتفكير فيها من هذا المنظور، والسعي إلى التعامل معها على نحو أكثر وضوحاً، حتى لا ننخدع بالأيديولوجيات المضللة التي تقدم وعوداً سهلة، لكن خطرة، لأنها لا تساعد على التقدم، على عكس ما تدعي، كما تؤكد نتائج عدد من البحوث الميدانية أنه بسبب السعي الزائد لتحقيق السعادة نتعرض لخطر الإصابة بخيبة الأمل، والإحباط.
حياتنا بوصفنا بشراً فانين – كما يقول لوك فيري – في الواقع هشّة، ومحدودة إلى أقصى درجة، ونحن نعيش مرحلة ضاغطة والجو خانق، كما لم يكن من قبل البتة، في المقابل استفاد فلاسفة تحقيق السعادة من خلال الذات وحدها، من هذه الكآبة التي تسِم الوقت الراهن.
يتساءل المؤلف: لو خيّرنا بين الحرية والسعادة فأيهما سنختار؟ يظل السؤال الذي سبق أن انشغل به لابواسي، وهو يفكر في مسألة العبودية المختارة، حاضراً بقوة، كما لم يكن من قبل إطلاقاً، في قرن زعمت فيه الأوهام الشمولية أن بوسعها إسعاد الشعوب قسراً، قطعاً كان هذا الزعم مقابل شقائهم، ودائماً على حساب حريتهم، إن لم يسكن حياتهم.
وغالباً، ما يقال إن هذا الجدل قديم قدم الفلسفة ذاتها، لكن الحقيقة انه اكتسب أهميته الكبيرة في الفكر السياسي الحديث، خاصة مع مؤلفات لابواسي، وهوبز، هل من الأفضل أن تحيا في سعادة، لكن في ظل العبودية والوهم، أم تعيش بقدر أقل من السعادة لكن في كنف الحرية والحقيقة؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/skz65wfe

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"